( الثاني ) إن اختلاف التقديرات والتحديدات الكثيرة غايتها تكشف عن عدم كون التحديد لأمر واحد ، وهو كون المعيار في تنجس الماء بالملاقاة وعدمه ، وجود الكر وعدمه ، بحيث يشكل التصديق بصدور هذه الاخبار مع كثرة اختلافها ، وظهور منافاتها من مبادئ العصمة صلوات اللَّه عليهم مع ابتلاء جميع المسلمين بأمر الطهارة والنجاسة . بل الذي يظهر من الأخبار هو ان مناط الطهارة والنجاسة قاهرية الماء وغلبته على النجاسة ومقهوريته عن النجاسة في الريح واللون والطعم ، فإذا كان قاهرا لا ينجس وإذا مقهورا ينجس ، فالكرية معيار لعدم التغيير بالنجاسات المتعارفة وعدمها معيار للتغير بها ، ويدل عليه أخبار كثيرة . فاختلاف التقديرات انما هو لاختلاف المياه والقذرات قلة وكثرة . ( الثالث ) إن اشتراط الكر مثار الوسواس ، ولأجله شق الأمر على الناس يعرفه من يجربه ويتأمله : ومما لا شك فيه ان ذلك لو كان شرطا لكان أولى المواضع بتعذر الطهارة مكة والمدنية المشرفتين ، إذ لا يكثر فيها المياه الجارية ولا الراكدة الكثيرة ، ومن أول عصر النبي ( ص ) الى آخر عصر الصحابة لم ينقل واقعة في الطهارة ولا سؤال عن كيفية حفظ الماء عن النجاسة - إلى آخر ما ذكره الفيض الكاشاني ( قده ) . والجواب عن هذه الوجوه : ( أما عن الأول ) فبأن يقال : ان الأقوال في ماء الغسالة المستعمل في إزالة الخبث وإن كانت ثلاثة : الأول انه يبقى على الطهارة حتى بعد الانفصال .