نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 1 صفحه : 94
وظاهر كلام اللغويين أنَّ الاستعمال في كل هذه المعاني حقيقة لا مجازاً . ولا بدّ لنا أن نقبل . بحيث تكون مدينة الكوفة مثلًا بصفتها ، مقصودة للمسافر : نية ، لأنها هي الوجه الذي يذهب فيه ، - كما عليه تعبير اللغويين . كما أنَّ المسافة من بلده إلى الكوفة بصفتها اتَّجاها شمالياً مقصوداً هي نية أيضاً ، كما أن مباشرة السير أو السفر في هذه المسافة هي نية أيضاً وهكذا . إلَّا أن هذا ، كما هو وجداني وواضح ، من سقط المتاع بالرغم من تصريح اللغويين . لوضوح عدم صحة الحمل وصحة السلب . لأن لنا أن نقول : الكوفة ليست نية والمسافة ليست نية ، والسفر إليها ليس نية . ونحن صادقون . فإن كان الأمر كذلك فيما سبق ، فلا شك أنَّ الأجيال المتأخرة عن صدر الإسلام أصبحت تفهم النية فهماً آخر ، بحيث أصبحت تلك الاستعمالات استعمالات مجازية في ذوقها ونظرها . وكل ما في الأمر أننا لا بدَّ أن نحفظ هذه المعاني باعتبار أمرين : الأول : من أجل أن نحمل عليها النصوص التي صدرت في عصرها الأول ، قبل هذا التحوّل . بما فيه عصر صدر الإسلام ، الذي لم تحرز حدوث النقل في المعنى فيه . الثاني : للشك في أن من حق الأجيال المتأخرة أن تضع لفظاً أو أن تنقل معناه أو أن تعين الحقيقة من المجاز ، وخاصة بعد أن ثبت كونه حقيقة فيما سبق . أم لا ! والأمر الأول صحيح بغضِّ النظر عمَّا قد يأتي من الإيضاحات . وأمَّا الأمر الثاني ، فهو قابل للمناقشة ، لأن الوضع كما ثبت في علم الأصول ، إنَّما هو اجتماعي المنشأ ، واللغة في تحرك مستمر ، عربية كانت أو غيرها ، وإن لم يحس به جيل معين بذاته . فمن حقّ أيِّ مجتمع أن يغيّر أو ينقل أو يضع كما يشاء . وليست اللغة توقيفية بهذا المعنى ، فنحن بشر كما أن السابقين بشر . واختلاط العرب بالآخرين وفساد أذواقهم ، وإن كان صحيحاً إلى حدٍّ ما ، ولكن هذا لا يعني سقوط حقّهم اللغوي . بما يعيشونه من ارتكاز وتفكير معاصر في أيِّ جيل . ولكن هذا لا يعني أن نحمل النصوص القديمة على
94
نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 1 صفحه : 94