نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 1 صفحه : 90
ويمكننا الآن أن نذكر ثلاث درجات من هذا الجانب : الدرجة الأولى : ترك الحقد على الغير ومحاولة الإيقاع به وإضراره . وزيادة على ذلك فإنَّ الأفضل أن يريد الخير للآخرين ويعمل على ذلك . وهذه الدرجة هي أقصى ما وصل أو يمكن أن يصل إليه أهل الدنيا ، الغالب عليهم التكالب على المتاع الرخيص ، وحب المال والشهرة والنساء ، الأمر الذي يحدو بالفرد أن يؤذي الآخرين بما أوتي من قوة ومكر في سبيل جلب الخير لنفسه ودفع الشر عنه ، في حدود فهمه . فإذا بلغ كمال الفرد الدنيوي إلى درجة ترك فيها هذه التصرفات ، ولم يضمر الشر للآخرين ، بل وعمل أيضاً لخيرهم كان هو الكامل الأفضل في نظرهم . وهذه الدرجة بالرغم من أنها العليا في نظرهم ، إلَّا أنها تعتبر أخلاقياً هي أدنى الدرجات في التكامل الإنساني . إذ بدونها من غير المحتمل أنه ينال شيئاً من الكمال الحقيقي . وسيكون من أولئك الذين * ( لَمْ يُرِدِ الله أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ ولَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ) * [1] . الدرجة الثانية : الصبر والتسليم ونتيجة ذلك عدة أمور : منها : القناعة بما جاءه من الدنيا والصبر عمَّا لم يحصل عليه . ومنها : الصبر على البلاء الوارد عليه كالفقر والمرض وغيرهما ، وعدم الاعتراض على القدر الإلهي فيه . ومنها : كتم الغيظ والحلم على تجاوزات الآخرين ، في حدود ما هو الممكن والمناسب . فإنَّه من الصبر والتحمل الضروري من هذه الدرجة . الدرجة الثالثة : التقوى والرضا . ونتيجة ذلك عدة أمور منها : أن تصبح الفقرات التي قلناها في الدرجة الثانية واضحة في الذهن وبسيطة في النفس ، بل ضرورية بوضوح وطيّبة على الفرد لما يرى الإنسان لها من نتائج الكمال . ومنها : الورع عن الشبهات ، حيث يكون الفرد في درجة من التفكير ، بحيث لا يقدم على قول أو فعل إلَّا مع إحرازا صحته في نظره ، دون الموارد المشكوكة والمشبوهة ، بطبيعة الحال . ومنها : الاهتمام بالعدل ، مهما أمكن في علاقة الفرد بأيِّ شيء حوله :