نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 1 صفحه : 42
الحكم . بخلاف العناوين الأخرى ، فإنها اقتضائية في حكمها وليست ذاتية ، فالصدق حسن في الحكم الاقتضائي ، ولكنه قد يحصل له عنوان ثانوي طارئ يزيل عنه التحسين ، كما لو كان الصدق سبباً للقتل أو السرقة . كما أنَّ الكذب قبيح ما لم يحصل عنوان ثانوي له كإصلاح ذات البين . وقالوا : إنَّ أمثال هذه العناوين إنما تكتسب هذه القيمة العقلية الأخلاقية ، بمقدار اندراجها في ذينك العنوانين ، فمتى كان الصدق عدلًا كان حسناً ، وإذا أصبح ظلماً كان قبيحاً . والكذب قبيح ما دام ظلما فإذا أصبح عدلًا كان حسناً . وهكذا . ونقطة الضعف الرئيسية في ذلك هو أنَّ عدداً محدوداً من العناوين هي التي يدرك العقل حكمها ، بخلاف أكثر عناوين السلوك ، فإنَّه لا يدرك حكمها ، كعامة العلاقات الفردية والاجتماعية . مضافاً إلى أنَّ العقل ، حتى في العناوين التي يدرك حكمها ، قد تحصل عليها العناوين التي تغيّر الحكم ، كما عرفنا ، أو تجعل العقل يشك في صدق الحكم عندئذٍ . فإذا علمنا أن هذه العناوين الثانوية في الحياة كثيرة ، عرفنا مدى ضيق الحكم العقلي بالتحسين والتقبيح . وهذا الضيق هو الذي يجعل العقل الإنساني قاصراً عن أن يقود نفسه بنفسه ، ويجعل الفرد محتاجاً ذاتيّاً إلى شريعة الله - عزّ وجلّ . ومع وجود هذا الضيق لا يمكن أن يكون العقل محكاً لتمييز العدالة في الفرد . لأنه - كما عرفنا - لا يميز كثيراً من أنحاء التصرفات . وهذا هو الإشكال الأصلي على ما عرفناه في التعريف اللغوي للعدل : أنه ما يأتي في النفس أنه مستقيم . لأن هذا الفهم إن قصد منه الفهم العقلي الذي تحدثنا عنه ، كان ناقصاً وغير قابل للاستيعاب . ومن هنا كان لا بدَّ لنا في تمييز العدالة إلى الالتفات إلى أحد أمرين : الأمر الأول : ما عرفناه من أنَّ العدل هو وضع الشيء في موضعه ، مع التحويل في ذلك على الواقع الموضوعي الذي يعلمه الله - عزّ وجلّ . فإن كان الفرد قد وضع سلوكه أو أي أمر آخر في موضعه الواقعي كان عادلًا وإلَّا فلا . الأمر الثاني : الشريعة . فإن كان سلوك الفرد مطابقاً لها كان عادلًا وإلَّا فلا .
42
نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 1 صفحه : 42