نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 1 صفحه : 37
فيها حتى الطعام والشراب واللباس والعائلة . وخاصة في أغلب المجتمعات التي رأيناها على مدى التاريخ . وفي هذا من الحرج ما لا يوصف . وقد يقال بإزاء ذلك : إنَّ الاحتياط إذا كان حرجياً ، أمكن الاقتصار منه على ما دون ذلك . إلَّا أن هذا غير صحيح : أولًا : لأننا نتحدث عن الاحتياط التام . ومع الاقتصار لا يكون موجباً لليقين بفراغ الذمة . ثانياً : أنَّ بعض أقسام الحرج يكون الأحوط تحملها ، وهو أمر غير محدّد في نفس الأمر . ثالثاً : قد يكون الحرج واقعاً ، فيما يكون الظن فيه راجحاً أو المظنون فيه مهمّا نسبيّاً ، فيكون الأحوط فعله وهكذا . رابعاً : من الإشكالات على الاحتياط التام : أنَّ الاحتياط قد يكون في كلا احتمالي المسألة . ممّا يجعل الاختيار متعذِّراً [1] . كما لو عقد أحد زوجته بغير اللغة العربية ، فإنَّ وجود الزوجية بهذا العقد مخالف للاحتياط ، كما أنَّ عدمها مخالف له أيضاً . وكذلك البيع بالمعاطاة ، فإنَّ نية المشتري التملك على المبيع مخالف للاحتياط ، كما أنَّ إرجاعه إلى البائع لبطلان المعاطاة ، مخالف له أيضاً . والأمر قد يدور بين النقيضين ، وبين الضدين أو بين الضررين . وهكذا . الأمر الذي ينتهي بنا إلى تعذّر الحكم بوجوب الاحتياط المطلق في كل الأحكام الواقعية ، أو اعتباره بديلًا عن الاجتهاد والتقليد . ومن هنا فقد يصير الفرد إلى احتياط أضيق من ذلك ، وهو الاحتياط التام في كل الأحكام التي قامت الحجة عليها ، أو من المحتمل قيام الحجة عليها . فهذا الاحتياط إن التزمه الفرد غير الخبير ، لم يعد شكل الاحتياط السابق لفرض عدم الخبرة فيما قامت عليه الحجة ، أو ما يحتمل قيامها عليه . فترد عليه سائر الإشكالات السابقة . وإن التزمه الفرد الخبير بمواقع النظر والعمل ، فإن كانت أطرافه ما كان محتمل الحجِّيَّة ، لم ينقص عن الاحتياط الأول إلَّا قليلًا ، وتكون نفس الإشكالات واردة عليه . وإن كانت أطرافه ما قامت الحجَّة عليه ، كان الأمر منطقيّاً وصحيحاً في كثير من الأحيان . فإنَّ الحجة تقوم عادة على حكم واحد ، ولا تقوم على حكمين في مسألة واحدة إلَّا نادراً كما في صورة وجود اثنين متساويين في العلم ومتّصفين معاً
[1] الفرق بين هذا الإشكال والأول إنما هو في اتِّجاه النظر فقط .
37
نام کتاب : ما وراء الفقه نویسنده : السيد محمد الصدر جلد : 1 صفحه : 37