وملاحظة الأخبار بالتفصيل وتدقيق النظر والتدبر في فتاوى الفقهاء الأعلام رأينا عدم ثبوت إجماع محقّق على نجاسة أهل الكتاب بحيث يعتمد عليه حتّى يصعب مخالفته وغاية ما هناك هو اشتهار القول بالنجاسة عندهم . وعلى تقدير ثبوت الإجماع كما ادّعي - لم يكن من الإجماع التّعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام حتى يكون حجّة بل هو محتمل المدرك ، أو مظنونه لو لم يكن مقطوعة وقد قرّر في محله عدم حجيّة الإجماع المدركيّ . والأخبار التي يستدلّ بها لنجاستهم غير واضحة الدلالة على نجاستهم الذاتيّة ، بل غير سليمة عن المناقشة والإشكال ، مع وضوح دلالة غير واحد من الأخبار على طهارتهم الذاتيّة كما سيتّضح لك جليّا بعون اللَّه وقوّته . ويظهر من أسئلة أجلَّة الرواة وكبراء المحدثين عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام - كما صرّح بذلك أيضا بعض الأساطين قدّس سرّه [1] وقد سبقه في ذلك صاحب تفسير مجمع البيان قدّس سرّه - على ما حكي عنه [2] - أنّ طهارتهم الذاتيّة كانت مفروغة عنها عندهم ، وكانوا يسألون عن حكم نجاستهم العرضيّة بلحاظ أكلهم لحم الخنزير ، وشحمه ، وشرب الخمر وعدم اجتنابهم عن البول والجنابة وغيرها من النجاسات كما سنشير إليها عند عرض الأخبار الواردة فارتقب . ولو سلم دلالة الأخبار على نجاستهم في حدّ ذاتها لو خلَّيت ونفسها إلا أنّه بقرينة صراحة ما دلّ على طهارتهم لا بدّ من تأويلها بحملها على النجاسة العرضيّة باعتبار عدم اجتنابهم عن النجاسات ، ويكون المراد من عدم نجاستهم هو طهارتهم الذاتيّة
[1] التنقيح : ج 3 / 59 . [2] مستمسك العروة الوثقى : ج 1 / 377