وعلى قولهم بالتثليث يمكن أنّ يقال : إن مرادهم بذلك هو أنّ ذات وجوده تعالى واحد ، وهو الأب ، ولكنّ المسيح ، وروح القدس ، مرتبة ظهور أصل الذات ، أو مرتبة ظهور صفاتها ونحو ذلك نظير ما يعتقده الشيعة الاثني عشريّ في حق أئمّة أهل البيت عليهم السّلام بأنّهم مظاهر قدرته وصفاته ومجاري قدرته حسبما يستفاد من الزيارة الجامعة الكبيرة ، فإذا هم في الحقيقة موحّدون وإن كانوا مشركين بحسب بعض الاعتبارات . هذا بالنسبة إلى النصارى وأمّا بالنسبة إلى اليهود فكذلك فلا يمكن إثبات الشرك لليهود مطلقا ، لأنّ مجرّد القول بأنّ عزيرا ابن اللَّه لا يوجب الشرك ، وإن لزم منه الكفر هذا . مع أنّه قد يقال : إنّه لا قائل اليوم من اليهود بذلك بل كانت شرذمة وانقرضوا ، فلا يتناول الحكم الموجودين في هذه الأعصار ، فعن ابن حزم الظاهريّ أنّ اليهود فارقونا في بعض الأنبياء ، ثمّ قال : إنّ الصدوقيّة منهم يقولون من بين سائر اليهود : إنّ عزيرا ابن اللَّه وكانوا بجهة اليمن ، واحتمل أن تكون هذه الفرقة هم الذين وصفهم القرآن بقوله * ( وقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله ) * . * ( قاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) * [1][2] . وربما يوجّه مقالهم : بأنّ مرادهم بذلك أنّ عزيرا مظهر قدرة اللَّه تعالى وذلك لما روي عن ابن عبّاس في سبب قول يهود : بأنّ عزيرا ابن اللَّه إن اليهود أضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق فأنساهم اللَّه التوراة ، ونسخها عن صدورهم ، أو أنّ بخت النصر أحرق التوراة ، فتضرّع عزير إلى اللَّه وابتهل إليه فعاد حفظ التوراة إلى قلبه ، فأنذر قومه به ، فلمّا جرّبوه وجدوه صادقا فيه قالوا : ما تيسّر لعزير ، إلَّا أنّه ابن اللَّه [3] .
[1] التوبة : 30 . [2] الملل والنحل : 1 / 98 ، طبع مصر . [3] التفسير الكبير للفخر الرازيّ : ج 16 / 33 .