الإشكال في صحّته ؛ لأنّ المعتبر في العبادة أن يكون الداعي إلى إتيان متعلَّق الأمر هو قصد القربة ، ومن المعلوم أنّ المأمور به إنّما هي نفس الطبيعة ، والخصوصيّات خارجة عنه ، فمجرّد كون الداعي على بعض الخصوصيّات غير داعي القربة ، لا يوجب بطلان العبادة ، بعد ما كان الداعي إلى أصل الطبيعة المتعلَّقة للأمر داعياً إلهيّاً ، بل لا يجوز قصد القربة بالنسبة إلى الخصوصيّات فيما لم تكن راجحة شرعاً ؛ لما عرفت من خروجها عن متعلَّق الأمر ، فلا يعقل أن يصير الأمر داعياً إليها ؛ لأنّ الأمر لا يدعو إلَّا إلى متعلَّقه . وبالجملة : لا إشكال في الصحّة في هذه الصورة ؛ لأنّ الداعي القربى صار داعياً إلى نفس متعلَّق الأمر ، والداعي النفساني صار داعياً إلى بعض الخصوصيّات الخارجة عن دائرة تعلَّق الأمر ، وعليه فلا إشكال في صحّة الوضوء بالماء البارد في الصيف ، وبالماء الحارّ في الشتاء ؛ سواء كان الداعي النفساني ، مؤثّراً في ترجيح بعض الخصوصيّات على البعض الآخر في مقام الامتثال فقط ؛ بمعنى أنّه لو لم يكن الداعي الإلهي في البين ؛ وبعبارة أخرى : لو لم يكن قاصداً للوضوء لم يكن قاصداً للتبريد أو التسخين أصلًا ، ولكن حيث إنّه مريد لامتثال أمر الوضوء ، يوجد في نفسه داعٍ نفساني إلى امتثاله في ضمن بعض الخصوصيّات ، الذي هو مقتضى شهوة النفس وميلها ، دون البعض الآخر ، أو كان الداعي النفساني مستقلا في الداعويّة إلى التبريد والتسخين مثلًا ؛ بمعنى أنّه لو لم يكن الداعي إلى الوضوء متحقّقاً ، لكان الداعي النفساني يحرّكه إلى مدعوّ النفس . وبعبارة أخرى : كان هنا داعيان مستقلَّان يؤثّر كلّ واحد منهما ولو انفرد عن الآخر : أحدهما ما يدعو إلى طبيعة الوضوء ، والآخر ما يدعو إلى طبيعة التبريد مثلًا .