إذا تحقّقتَ ما ذكرنا تعرف أنّ ما ذكروه : من أنّ جريان الأصل في السبب يغني عن جريانه في المسبّب ، ولا يبقى مجال له أصلًا ، ليس تامّاً على نحو العموم ، بل إنّما يصحّ في خصوص ما لو كان الشكّ في ناحية المسبّب ؛ في الأثر المترتّب على الموضوع المشكوك - شرعاً كالشكّ في نجاسة الثوب المغسول بالماء المشكوك الكُرّيّة ، فإنّ جريان استصحاب الكُرّيّة ، يؤثّر في تحقيق موضوع ما يدلّ على أنّ الغسل بالماء الكُرّ ، يوجب زوال النجاسة وتنقيح متعلَّقه ، فيرتفع الشكّ في النجاسة أيضاً . وهذا بخلاف الشكّ في الوضوء الناشئ من الشكّ في تحقّق النوم ، فإنّه لا يجري استصحاب عدم النوم حتّى يرتفع به الشكّ في ارتفاع الوضوء ؛ لأنّه لم يجعل في الشريعة حكم مترتّب على عدم النوم ؛ حتّى يتحقّق بالاستصحاب موضوعه ، وينقّح به متعلَّق الدليل الدالّ على ترتّب الحكم عليه ، وبقاء الوضوء مع عدم النوم ، حكم عقلي منشؤه جعل النوم ناقضاً في الشريعة . وبعبارة أخرى : المجعول في الشرع إنّما هي الطهارة عقيب الوضوء ، وكون النوم - مثلًا ناقضاً له ، وأمّا بقاؤه مع عدم الناقض ، فهو حكم عقلي لا شرعي . وبالجملة : لا يكون عدم النوم موضوعاً لحكم من الأحكام في الشريعة ؛ حتّى يجري استصحابه ، فيترتّب عليه ذلك الحكم بضميمة ذلك الدليل ، فلا مجال في المثال إلَّا لجريان استصحاب الطهارة فقط . ومن هنا يُدفع ما أُورد على الصحيحة الأُولى لزرارة - التي استدلّ بها على حجّيّة الاستصحاب : من أنّه قد أجري فيها الاستصحاب في المسبّب دون السبب ، مع تقدّمه عليه [1] .
[1] انظر نهاية الأفكار 4 : 39 ، الاستصحاب ، الإمام الخميني ( قدّس سرّه ) : 24 26 و 251 252 .