وبالجملة : حيث إنّ الخطابات الشرعيّة بنحو العموم ، والملاك في حسنها ، يغاير ما هو الملاك في حسن الخطاب إلى آحاد المكلَّفين ، فلا محالة تكون متوجّهة إلى جميع الناس ، وعدم استحقاق العقوبة في بعض الموارد ، كالجهل والعجز وأمثالهما ، إنّما هو لتحقّق العذر بالإضافة إلى المعذور ، لا لعدم حسن توجّه الخطاب المستلزم لامتناعه ؛ وذلك لما عرفت : من أنّه لا وجه لدعوى انحلال الخطابات الشرعية إلى الخطابات الكثيرة حسب تكثّر المخاطبين ؛ حتّى يلاحظ حال كلّ واحد منهم ؛ من حيث استحسان توجّه الخطاب إليه وعدمه . ولعمري إنّ هذا واضح جدّاً . وحينئذٍ فإذا فرض عدم ابتلاء المكلَّف ببعض الأطراف في الشبهة المحصورة ، فتوجيه الخطاب الخاصّ بالنهي عن الخمر ، المردّد بين هذا الإناء والإناء الذي يكون في أقصى بلاد الهند ؛ وإن كان مستهجناً لو لم يعلَّق بالابتلاء به ، إلَّا أنّه مجرّد فرض لم يوجد في الشريعة ؛ لأنّ الخطابات فيها إنّما هي على نحو العموم ، والمفروض كونه من جملة المخاطبين ، فالتكليف متوجّه إليه ، ويجب عليه الاجتناب عن الإناء الموجود عنده ؛ وإن كان الحرام مردّداً بينه وبين ما لا يبتلى به المكلَّف عادة . فما اشتهر بين المتأخّرين : من اشتراطهم في وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة المحصورة ، كون جميعها مورداً لابتلاء المكلَّف [1] ، ممّا لا يعلم له وجه . ويؤيّده : أنّه لا يكون بين المتقدّمين ذكر لهذا الشرط ولا أثر ، بل إنّما حدث في الأزمنة المتأخّرة ، كما عرفت .