المقام الثاني : في حكم التقيّة بمعنى كتم الدين وإخفائه من حيث الإجزاء وعدمه . فنقول : ظاهر أكثر الروايات الواردة في هذا المقام - أيضاً الإجزاء وعدم وجوب الإعادة أو القضاء : منها : الروايات الواردة في استثناء المسح على الخُفّين ومتعة الحجّ من عموم التقيّة ، وأنّه ( عليه السّلام ) قال لا أتّقي فيهما أحداً [1] . فإنّ المراد من نفي الاتّقاء فيهما ليس أنّه لا يأتي بهما أصلًا ؛ بحيث لو دار الأمر - مثلًا بين مدّ الرقبة والمسح على الخُفّين أو ترك متعة الحجّ ، لكان يختار الشقّ الأوّل ، ولا يأتي بهما ، فإنّه بعيد جدّاً ، بل المراد عدم الاكتفاء بهما في مقام امتثال الأمر بالصلاة المشروطة بالوضوء والأمر بالحجّ . وحينئذٍ فاستثناؤهما دليل على جواز الاكتفاء بالعمل الصادر تقيّة في غيرهما ، وهو المطلوب . ومنها : رواية مَسْعَدة بن صَدَقة عن أبي عبد الله ( عليه السّلام ) في حديث أنّ المؤمن إذا أظهر الإيمان ، ثمّ ظهر منه ما يدلّ على نقضه ، خرج ممّا وصف وأظهر ، وكان له ناقضاً ، إلَّا أن يدّعي أنّه إنّما عمل ذلك تقيّةً ، ومع ذلك ينظر فيه ، فإن كان ليس ممّا يمكن أن تكون التقيّة في مثله لم يقبل منه ذلك ؛ لأنّ للتقية مواضع ، من أزالها عن مواضعها لم تستقم له ، وتفسير ما يتّقى ، مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله ، فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز [2] .
[1] الكافي 3 : 32 / 2 ، وسائل الشيعة 16 : 216 ، كتاب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 5 . [2] الكافي 2 : 168 / 1 ، وسائل الشيعة 16 : 216 ، كتاب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 6 .