فإن قلت : بل لا يفرق الحال فلا يلزم إلَّا تقييد الدليل بهذا الفرد النادر حتى في دليل الكرية لوضوح عدم التعارض في غيره . قلت : بل لا بدّ من تقييد دليل الكر بمطلق الجاري ، وذلك لأنّ مفاده إناطة اعتصام الماء بالكم الخاص ، فإمّا أن يعمّم الماء للراكد والجاري ، وأمّا يخصّص بالأوّل ، فيلزم ما ذكرنا من خروج الفرد الشائع ، وليس ذلك إلَّا من تقديم دليل الجاري وليس هكذا الحال لو قدمنا دليل الكر ، فيكون مفاده أنّ مطلق الماء جاريا كان ، أم راكدا شرط اعتصامه الكرية ، فيحمل أدلَّة اعتصام الجاري بما إذا كان كرّا ثمّ إنّه - قدّس سرّه - اختار اعتصام القليل الجاري بواسطة الإجماعات . قلت : لا يخفى أنّ أدلَّة الكرّ ليس لها ظهور قوي في شمول الجاري ، بل بعضها ظاهر في الراكد لكونه مسبوقا بالسؤال عن الماء الذي تبول فيه الدواب ، ويلغ فيه الكلاب ، ويغتسل فيه الجنب ، ولا يخفى ظهوره في الراكد ، ولفظ الماء في الجواب وهو قوله - عليه السلام - : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء » ، وإن كان مطلقا لكن لا يمكن الأخذ بإطلاقه بعد مسبوقيته بهذا السؤال ، لاحتمال رجوع اللام إلى المذكور في السؤال ، وكون اللام للجنس وإن كان أصلا ، ولكنّه حيث لا عهد . وفي رواية صحيحة أخرى متحد مع السابقة إلى الحسين بن سعيد لكن يفترق من بعده ، والإمام المروي عنه هو أبو عبد الله في كلتيهما قال : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء » [1] . والظاهر أنّ هذا عين تلك الرواية ، والراوي حذف منه السؤال ، ويؤيّده استبعاد صدور هذه القضية من الإمام ابتداء بدون سابقة سؤال ،
[1] - الوسائل : ج 1 ، ب 9 ، من أبواب الماء المطلق ، ح 1 ، 2 ، 4 .