فإنّ من المسلَّمات اعتبار الرطوبة المسرية في حصول التنجّس لأحد المتلاقيين من ملاقاة الآخر النجس ، ولكن النجاسة ليست من آثار نفس هذه الرطوبة المسرية ، بل هو أثر لسراية الرطوبة من ذي الرطوبة النجسة إلى الآخر ، وأمّا مجرّد وجود الرطوبة المسرية النجسة في أحدهما مع الملاقاة بينهما بدون حصول السراية لمانع بعلاج ونحوه فلا يوجب التنجيس ، فالنجاسة التي هي الأثر الشرعي أثر للسراية وهي أثر عادي لا شرعي للرطوبة المسرية التي هي المتيقّن في السابق المشكوك في اللاحق . فقد يقال : إنّ استصحاب الرطوبة المسرية جارية وتفيد الحكم بالنجاسة ، لأنّ الواسطة وهي السراية غير مرئيّة لدى العرف ، وهذا يظهر من شيخنا المرتضى - قدّس سرّه - في الرسائل ، حيث ذكر هذه المسألة في بحث الأصل المثبت الذي يكون الواسطة فيه خفية على سبيل التمثيل بناء على إظهاره الجزم بالحكم في هذه المسألة أيضا ، دون أن يكون غرضه مجرّد تقريب المطلب بالمثال . وقد يقال : إنّ هذا الاستصحاب غير جار ، لأنّ الواسطة المذكورة يراها العرف واسطة ، ولا يحتاج إلى دقّة عقلية قصر عنها فهم العرف ، بل وساطتها من الواضحات ، والشاهد على درك العرف وساطتها أنّه لو وصل يدك إلى شيء رطب قذر مثلا تنظر إلى يدك لاستعلام أنّه هل تأثّر وصار حاملا لشيء من الرطوبة أو لا ؟ وعلى الأوّل ترتّب على يدك أثر القذارة ، وعلى الثاني لا ترتب . وعلى هذا فيكون مقتضى قاعدة الطهارة هو الطهارة ، وهذا الوجه يظهر تأييده من الميرزا الشيرازي - قدّس سرّه - على ما نقل عنه الأستاذ - دام ظله - أنّه كان يستشكل في كون الواسطة في هذه المسألة خفية في مجلس مذاكرته ودرسه .