إليك ، ثمّ قال أبو عبد الله - عليه السّلام - : لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق » . [1] ولا ينافي ذلك قوله - عليه السّلام - في بعض الروايات بمثل هذا فاشهد أو دع ، فإنّ المراد فيه عدم الشهادة مع عدم العلم ، والعلم هنا حاصل ، غاية الأمر أنّه علم تعبّدي حصل من الاستصحاب ، هذا كلَّه في ما إذا صرّح بالشهادة . وأمّا إذا قال العدل الآخر : إنّي أعلم بنجاسته سابقا وأشك في نجاسته لاحقا ، ولم يقل هذا نجس ، إمّا لجهله بحكم الاستصحاب ، أو لغفلته عنه أو لغير ذلك ، فحينئذ فإن شهد الشاهد الأوّل الذي قال : هذا نجس فعلا بنجاسته في السابق أيضا ، أخذنا بهذا الجزء الأخير من شهادته وضممناه إلى قول الآخر ، وطرحنا الجزء الأوّل وحكمنا بالنجاسة الفعلية بحكم الاستصحاب الجاري في حقّ نفسنا ، لتحقّق موضوعه فينا ، فإنّ اليقين السابق التعبّدي مأخوذ من البيّنة ، والشك اللاحق حاصل لنا بالوجدان ، فيكون الاستصحاب جاريا . وأمّا لو قال العادل الأوّل : إنّي أعلم بنجاسته في الحال وأشك في نجاسته سابقا على عكس العادل الثاني فالحكم بالنجاسة حينئذ لا وجه له ، لعدم تحقّق البيّنة على واحد من النجاسة السابقة واللاحقة ، أمّا على السابقة فواضح ، وأمّا على اللاحقة فلأنّ العادل الثاني غاية ما يستفاد من قوله كونه موضوعا يجوز له الشهادة بالنجاسة ، ويجوز له تركها ، وهذا أعني : جواز الشهادة وجواز تركها حكم شرعي موضوعه نفس هذا العادل . وبعبارة أخرى : أنّه ما أخبر إلَّا بتحقّق يقين سابق لنفسه مع شك لاحق وهذا ليس إلَّا موضوعا لحكم شرعي متعلَّق بنفسه غير مرتبط بغيره من المكلَّفين ،
[1] - الوسائل : ج 18 ، ب 25 ، من أبواب كيفيّة الحكم والدعوى ، ص 215 ، ح 2 .