ولكن بعضا من أقسام الدم تكون حالته السابقة كونه دم إنسان ، كما في دم البق والبعوضة حيث إنّهما وأشباههما لا دم لنفسهما ، بل هي مجرّد جلدة مع رطوبة قليلة ، فتمام الدم في جوفها ولا أقل من عمدته يكون منتقلا إليها من بدن الإنسان ، وحينئذ فحالاتها منقسمة إلى ثلاث حالات : الأولى : حالة نقطع فيها بصدق دم البق والقمل ، وهو بعد مضي مدة مديدة من المصّ . والثانية : حالة نقطع فيها بصدق دم الإنسان وهي حالة المصّ ، فانّ حال الدم الجاري من بدن الإنسان إلى فم البق وجوفه ، حال الدم الجاري من بدنه إلى شيشة الحجامة ، فكما يقال : إنّه دم إنسان فكذا هنا . والثالثة : حالة الشك في كونه من أيّ من الحالين ، كما في الدماء الموجودة في القميص من البراغيث ، ومقتضى القاعدة في هذه الصورة هو الحكم بالنجاسة ، لا بمعنى أنّ هذا الدم كان نجسا في السابق قطعا ، وهو حالة كونه دم إنسان ويشك في صيرورته طاهرا ، فالأصل بقاؤه على النجاسة ، لأنّ هذا الأصل مشكوك الموضوع ، فإنّ هذا الدم لم يكن بعنوان كونه دما معروضا للنجاسة ، بل بعنوان كونه دم إنسان والآن نشك في بقاء هذا العنوان ، أو تبدّله بعنوان دم البق ونحوه ، ولا يخفى أنّ دم الإنسان ودم البق موضوعان متغايران عند العرف . فالحاصل أنّ الموضوع غير محرز البقاء في الاستصحاب الحكمي ، فالاستصحاب الجاري هنا هو الموضوعي ، بأن يقال : هذه الهيولى كانت صورته النوعية في السابق دم إنسان ، والآن نشك في بقائها على تلك الصورة ، وزوال تلك الصورة عنها وتبدّلها بصورة نوعية أخرى ، أعني : كونها دم بق ، فالأصل بقاؤها على