وجهه إلَّا أنّ الانحناء إلى أن يصل الشفة إلى الرجل بنفسه سجود ، مع أنّ ما يقع على الرجل هو الشفة ، ويدلّ على حصول السجود بالذقن قوله تعالى : « لِلأَذْقانِ سُجَّداً » . [1] وبالجملة : فعلى هذا يشكل غاية الإشكال ما شاع وذاع في زماننا هذا ، من التقبيل لتلك العتبات المباركات ، قاصدا بالانحناء المذكور التعظيم ، وحصول الانكسار والمذلَّة ، ويكون وجه اختياره على تقبيل الخشبة والحائط ، كونه أشدّ مذلَّة وأبلغ تعظيما من غيره ، وليس ذلك إلَّا لاشتماله على الانحناء المذكور المسمى بالسجدة ، فيرجع الحاصل إلى قصد التعظيم والخضوع والتذلَّل بهذه الهيئة الانحنائيّة ، وهذا ليس إلَّا السجود المحرم المنهيّ عن إيقاعه لغير الله ، الموجب إيقاعه لأحد من المخلوقين شرك صاحبه باللَّه . والحاصل : أنّ هذه الهيئة الخاصّة يمكن وقوعها على نيّات عديدة . الأوّل : لمجرّد المقدّميّة لوصول الشفة إلى العتبة ، كما في الانحناء لأجل تقبيل الطفل النائم على الأرض أو قطعة الخبز . والثاني : أن يكون الملحوظ نفس هذه الهيئة لكن لا باعتبار ما فيه من التذلَّل والخضوع ، بل الملحوظ المشقّة الكائنة فيه ، وهذان لا إشكال فيهما لخروجهما عن عنوان السجدة . والثالث : أن يقع على وجه يكون المقصود نفس هذه الهيئة ، ويكون المنظور التذلَّل والخشوع الحاصل فيه . وهذا على قسمين : الأوّل : أن يكون طرف الخشوع والتذلَّل بحسب قصده صاحب الضريح