ومن هنا ربّما يمكن دفع الإشكال بمعاملة سيّد الشهداء - أرواح العالمين فداه - مع أتباع الحرّ معاملة الطاهرين ، حيث سقاهم مع دوابّهم بالقرب التي هيّأها لهم ، فإنّه يجاب بأنّه لعلَّه لم يكونوا مبغضين لجنابة بل خرجوا لأجل الطمع ، أو الخوف ، أو لعدم معرفته - عليه السّلام - ، ولا منافاة بين عدم كفرهم وأعظميّة فسقهم وكونه بمثابة لن يغفر الله له أبدا ، كما شهدت بذلك الأخبار . نعم قد يشكل بأنّه قد علم من السير والتواريخ ، أنّ عليّا - عليه السّلام - لم يعامل مع خوارج نهروان معاملة الكفّار ، فلم ينهب أموالهم ولا أسر نساءهم [1] ولو كانوا كفّارا لعامل معهم معاملة سائر الكفّار في النهب والأسر . والجواب : أنّ المنتحلين للإسلام المحكومين بالكفر ليس حالهم حال الكفّار الغير المسلمين ، وإن كانوا مشاركين معهم في النجاسة ، وعدم جريان المناكح والمواريث ، وذلك لأنّ الكفّار الغير المسلمين ليس من آداب قتالهم عدم مقاتلتهم إلَّا بعد بدأتهم بالحرب ، ولا عدم نهب الأموال وأسر الحريم ، ولكنّ المنتحلون للإسلام يكون من آداب حربهم عدم محاربتهم قبل ابتدائهم ، وعدم النهب والأسر لهم بعد مغلوبيّتهم ، وعلم ذلك كلَّه من فعل الأمير - عليه السّلام - في وقعة الجمل ونظائره ، حتّى أنّ بعض العامّة قال : لو لا قتال علي - عليه السّلام - مع المسلمين لم يعلم كيف حال القتال معهم ، ولم يعلم الفرق بين القتال معهم والقتال مع الكافر الأصلي . والحاصل : أنّ ثمرة انتحال الإسلام هو الفرق مع الكافر الأصلي في هذه الآداب ، وإن انتفت ثمرته من جهة الآثار الأخر : من الطهارة والمناكح والمواريث .
[1] فإن المنقول أنّه - عليه السّلام - بعد قتلهم كلَّما وجد من سلاح حربهم وأنعامهم قسّمه على عسكره - عليه السّلام - والأشياء الأخر والعبيد والإماء ردّها إلى ورّاث الخوارج . منه عفي عنه .