البول والعذرة والمني وغيرها أنّه لو تصاعد منها بالبخار أجزاء واجتمعت رطوبة فهي وإن لم يسم باسم تلك الأشياء لكن يشملها أدلَّة نجاسة هذه العناوين بمساعدة الفهم العرفي ، فإنّا لو خلَّينا وطبعنا العرفي الخالي عن شوائب التشكيكات ، لا نشك في أنّ معيار نجاسة هذه الأشياء بعينها موجودة في عرقها المتصاعد منها بالبخار أيضا ، وليس ذلك إلَّا لعينية . عرقها معها ذاتا وإن كان مقتضى الجمود على اللفظ الاقتصار على نفس تلك الأشياء وعدم التعدّي إلى عرقها ، لكن قضيته فهم العرف العينية والاتحاد بينها بحسب الحقيقة والذات وبين العرق بحيث لا يراهما موضوعين موجودين بوجودين مثل الإنسان والحجر هو التعدي وعدم الاقتصار [1] . وإن شئت قلت : إنّ العرف يرى ملاك الحكم بالنجاسة في عرق تلك الأشياء أيضا ، ألا ترى أنّهم في قذاراتهم يستقذرون من عرق القذر كما يستقذرون من نفسه ، ولا يفرقون في الاستقذار بين القذارات وأعراقها ، فإذا قال لهم الشارع : ما استقذرتم ليس بقذر وإنّما القذر هو كذا وكذا ، فهم يعاملون بحسب طبعهم مع هذه الأشياء معاملتهم مع تلك الأشياء ، ويفهمون أنّ ذلك هو مراد الشارع أيضا . وبالجملة فاللفظ وإن كان قاصرا لكن العرف قاض بأوسعية المراد ، هذا ولكن الحكم مع ذلك غير خال عن الإشكال وليس صافيا بمثابته في ماء القراح ،
[1] ويشهد على ذلك أنّا سلمنا العينية في الماء القراح ولم يحدث هنا شيء أوجب الفرق سوى الرائحة الحسنة مثلا ، ومجرّد ذلك لا يوجب اختلاف الحقيقة فلو كان ماء من أوّل خلقته ذا رائحة حسنة ، فلا يوجب ذلك تغاير حقيقته مع حقيقة سائر المياه ، فكذلك لو عرض له الرائحة بعد ما لم يكن له . وبالجملة حديث العينية بعد تسليمها مع فقد الرائحة لا يمكن إنكارها بمجرّد وجود الرائحة .