الفرق بين العموم الأحوالي المصرّح به في اللفظ كما في المثال الثاني وبين ما كان بالمقدّمات كما في المثال الأوّل ، فإنّ الظاهر أنّ المقدمات ترد على القضية بتمامه لا أنّها تعمل في المنطوق أوّلا ثمّ يوجد المفهوم ثانيا ، بل نسبتها إلى المنطوق والمفهوم على السواء ويجري بالنسبة إليهما في عرض واحد ، وإذن فكما يفيد العموم الأحوالي في المنطوق ، فكذا يفيده في المفهوم أيضا ، فيكون المفهوم في المثال إذا لم يجئك زيد فلا يجب إكرامه في شيء من الأحوال وبشيء من الأنحاء بحكم المقدّمات كما يحمل المنطوق ، أعني : إذا جاء زيد فأكرمه على الإطلاق بالنسبة إلى الأحوال والأنحاء بحكمها أيضا هذا . ولنرجع إلى ما كنّا فيه فنقول : هذا الحديث سواء قلنا بعدم العموم الأفرادي له في المفهوم ، كما ذهب إليه صاحب التعليقة واخترناه أيضا ، وسواء قلنا بالعموم الأفرادي فلا يفرق فيه من الحيث الذي نحن بصدده ، فإنّه مبتن على العموم الأحوالي لقوله : لا ينجسه شيء الذي يفهم منه العرف الملاقاة الثابت عمومها بالنسبة إلى الأنحاء من ورود النجس على الماء وورود الماء على النجس وتلاقيهما في العرض بواسطة المقدّمات ، وقد قلنا آنفا أنّ العموم الأحوالي الثابت في المنطوق بالمقدّمات جار في المفهوم أيضا ، فإذا كان مفاد « لا ينجسه شيء » بحكم المقدّمات وبعد إحرازها أنّه : لا ينجس الماء الكرّ شيء من النجاسات بالملاقاة بأيّ نحو كان الملاقاة من ورود الماء وورود النجس وتواردهما في العرض ، كان مفاد المفهوم أعني : ينجسه شيء أيضا بحكمها ، وإن قلنا بجزئيته من حيث الأفراد أنّه ينجسه شيء إذا لاقاه هذا الشيء أعمّ من وروده وورود الماء والتوارد ، فالعموم الأحوالي الذي هو مبنى الاستدلال ثابت وإن قلنا بعدم ثبوت العموم الأفرادي كما هو الحق .