ثمّ هل النزح حينئذ مستحب أو واجب تعبّدا كما حكاه قولا في كشف الغطاء وفي محكي المدارك ، أو ليس هذا ولا ذاك وإنّما أمر به للتقيّة . قد يقال إنّ كثرة الاختلاف في الأخبار في تعيين مقدار النزح في موضوع واحد يدلّ على الأوّل فينزل الاختلاف على مراتب الفضل . وفيه : أنّ ذلك لا ينافي الوجوب فيكون الواجب أقلّ الأعداد وما زاد عليه يكون لتحصيل المزيّة والفضل ، فيصير الوجوب في العدد الأكثر آكد ، ولكن لا يخفى أنّ الظاهر من أخبار النزح عرفا كون النزح واجبا عقيب وقوع الأمور المعهودة لأجل ارتفاع أثر حدث بسببها ، وهو إمّا النجاسة أو الاستقذار والنفرة ، وإمّا أنّه كان واجبا تعبديا نفسيا من دون أن يكون لأجل ذلك فلا يفهمه العرف من تلك القضايا ، بل هو في غاية البعد من نظرهم . وحينئذ فلا يخفى أنّ الظاهر الأوّلي هو كون الأثر الحادث هو النجاسة وكون النزح واجبا مقدمة لرفعها عند إرادة استعمال الماء فيما يشترط فيه الطهارة ، وحيث إنّا قد استفدنا من تضاعيف أخبار الباب اعتصام البئر وعدم انفعاله وجب رفع اليد عن هذا الظاهر ، وحينئذ فيتعين حملها على إرادة الندب ، لزوال النفرة الحاصلة في الماء بسبب وقوع الأشياء المقررة مع كون الماء طاهرا شرعيا ، وقد عرفت أنّ بعض تلك الأخبار آمر بالنزح مع الحكم بالطهارة ، وهو أيضا شاهد على ما ذكرنا بعد ملاحظة استبعاد العرف لإرادة الوجوب التعبدي . وأمّا الحمل على التقيّة فلا وجه له بعد إمكان الحمل على الاستحباب فانّ الحمل على التقيّة طرح للسند فانّ معناه أنّ مفاد الخبر ليس حكم الله ، ومتى أمكن محمل صحيح عرفي للسند فلا وجه لطرحه .