فتحقق ممّا ذكرنا أنّ جريان الأصل في الطرف الداخل في محل الابتلاء محل إشكال وكلام ، وإن اختاره شيخنا المرتضى مع إطالة الكلام فيه بالنقض والإبرام ، فالمقام حقيق بالتأمّل التام [1] . « مسألة 3 : لا يعتبر في البيّنة حصول الظنّ بصدقها ، نعم يعتبر عدم معارضتها بمثلها » . لا يعتبر في قبول قول البيّنة إفادته الظن بالصدق ، بل يجب قبوله وإن لم يفده ، بل ومع الظن بالكذب . « مسألة 4 : لا يعتبر في البيّنة ذكر مستند الشهادة ، نعم لو ذكرا مستندها وعلم عدم صحّته لم يحكم بالنجاسة » . لا يعتبر في قبول قولها ذكر مستند الشهادة ، ولكن لو ذكرا مستندا وعلم ببطلانه ، بمعنى عدم صحّة الاستناد إليه ، وعدم كونه من الأسباب العادية للقطع ، لا بمعنى القطع بالكذب ، إذ عدم الاعتناء معه بلا إشكال ، كما لو ذكرا أنّ مستند شهادتهما بملكية هذا لزيد أو نجاسة هذا مثلا حدس حاصل لهما من طيران الغراب ، فإنّه مع ذلك يحتمل صدقهما ، ولكن هذا المستند ممّا لا يركن إليه عادة ، ولا يكون سببا للقطع نوعا . وبالجملة فالصورة المفروضة لا يبعد أن يقال بأنّ دليل حجية البيّنة ليس له إطلاق يشملها .
[1] - وليعلم أنّ هذا كلَّه في الخروج عن الابتلاء الحاصل قبل العلم الإجمالي ، ثمّ ما ذكر من أنّ الشك في التكليف الفعلي ناش عن الشك في حسن الخطاب بعد معلومية أصل المطلوبية وإن كان مسلَّما ، إلَّا أنّه مع ذلك لا يساعد الوجدان على الحكم بالاحتياط في الطرف الداخل في محل الابتلاء ، ألا ترى أنّه إذا علمت إجمالا بنجاسة ثوبك أو قلنسوة السلطان فالوجدان لا يساعد على الاحتياط عن ثوبك ، فتدبّر - منه عفى عنه .