كان معه حسن التكليف ، وكلَّما كان حال المكلَّف هكذا ، فليس للعقل حكم بالبراءة . ألا ترى أنّ من قطع بأنّ إنقاذ الغريق مطلوب للمولى على وجه الإطلاق ، بدون تقييد بالقدرة ، بمعنى أنّ فوته حتى في حق العاجز موجب لفوت غرض من المولى ثمّ شكّ في كون نفسه قادرا على الإنقاذ أو عاجزا عنه ، كما إذا لم يعلم بأنّ حبله طويل يصل إلى الغريق ، أو قصير لا يصل إليه ، فهو بمجرّد هذا الشك لو تسامح وتقاعد عن الإنقاذ ولم يجعل نفسه في مقام العمل حتى يعلم الحال : من العجز أو القدرة لا يحكم العقل بمعذوريته ، بل حكم العقل الحتمي هو الاشتغال بالعمل والشروع حتى يعلم العجز . فالحاصل : أنّ معيار جريان البراءة هو الشك في الاقتضاء القلبي والميل النفسي للمولى ، لا في الاقتضاء التوجهي وتوجيه التكليف . وسرّه أنّ في الثاني لا نقص في بيان المولى والحجة من قبله تامّة ، ولو كان هناك نقص فإنّما هو من قبل عدم قابلية المكلَّف للتكليف ، فلا يكون العقاب معه بلا بيان ، بخلاف الشك في الاقتضاء الجناني والميل القلبي ، فإنّ النقص فيه في بيان المولى ، فالعقاب معه يكون بلا بيان . وليعلم أنّ قيد القدرة قد يكون مذكورا في اللفظ ويصير قيدا شرعيا فيقيّد انحصار المطلوبية بحال وجودها ، فلهذا يكون المرجع في الشك فيها إلى البراءة ، ولعلّ من هذا القبيل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حيث حكموا باشتراطه بظن التأثير وإمكان صرف الفاعل عن المنكر ، وحمله على المعروف ، وأنّه مع عدم هذا الظن لا وجوب ، وعلى هذا فلا ينتقض به المقام .