فقد العلم بين الأعمى وغيره ، وما في بعض الكلمات من أن الأعمى يقلد ليس المراد منه التقليد الاصطلاحي الذي هو عبارة عن الأخذ بقول الغير تعبدا وبلا دليل ، بل المراد منه هو أن الأعمى إذا لم يتمكن من تحصيل العلم وكان المورد مورد الاجتهاد والتحري يسأل عن الغير ويأخذ بقوله ، لكن لا مطلقا بل إذ حصل له الظن من قوله ، لأن هذا هو التحري الممكن في حق الأعمى غالبا ، فإنه لا دليل على اعتبار التقليد في الموضوعات . وما ورد [1] في بعض الروايات من أن الأعمى إذا لم يعرف القبلة يرى من يسدده إليها ويوجهه نحوها ليس المراد من التقليد ، بل المراد منه أنه يرى من يعرفه القبلة حتى يصلي نحوها ، فهذه الروايات تدل على وجوب تحصيل العلم على الأعمى إذا كانت القبلة معلومة مشخصة عند الناس ، وهذا مما لا كلام فيه ، فإنه لو كانت القبلة معلومة كما إذا كان في مسجد الحرام يجب على الأعمى تحصيل العلم بها ولو بالسؤال ، وليس في مثل هذا موقع للاجتهاد والتحري ، لأن الظاهر من أخبار التحري إنما هو فيما إذا لم تكن القبلة معلومة مشخصة كيوم غيم وأمثال ذلك ، وأما إذا كانت القبلة معلومة غاية الأمر أن الأعمى لخصوص عماه لم يعرف القبلة فليس هذا مورد التحري والاجتهاد ، بل يجب عليه أولا السؤال حتى يحصل له العلم ، ومع فرض عدم حصوله يصلي إلى أربع جهات ولا عبرة بالظن حينئذ ، بل غير الأعمى أيضا كذلك . والحاصل : أن في المقام دعويين : ( الأولى ) أن الحكم عند فقد العلم هو الاجتهاد والتحري ، سواء في ذلك الأعمى وغيره ، ولا عبرة بالتقليد ولا دليل عليه ( الثانية ) أن مورد الاجتهاد والتحري إنما هو فيما إذا لم تكن القبلة معلومة ، كما إذا
[1] الوسائل : ج 3 ص 225 باب 7 من أبواب القبلة ، ح 1 و 2 و 3 .