للبدن قد اجتمع فيه داعيان ولم يتأثّر من الداعي الإلهي فقط ، وقد كان من المعتبر إيجاد المأمور به بجميع ما له دخل فيه من الطبيعة وكلّ خصوصيّة أخذت معها في تعلَّق الأمر بالداعي الإلهي بلا شركة لداع غيره ، وهذا بخلاف الحال في القسم الأوّل ، فإنّ الطبيعة جاءت من قبل الأمر ، والخصوصيّة من قبل الهوى ، وأمّا هنا فكلّ من الأمر والهوى قد أثّر في خاصّ غير الخاصّ المتأثّر من الآخر ، ولكن بين الخاصّين جهة عامّة مشتركة ، وهي لا محالة جاءت بتأثير كليهما ، فقد سقط الأمر عن وصف الاستقلال في الداعويّة بالنسبة إلى هذا الجزء من المأمور به . قلت : كلَّا ، إنّه مع ذلك محفوظ الاستقلاليّة في تمام الخاصّ المأمور به ، ألا ترى أنّه يمكن ثبوت وصف التأثير الاستقلاليّة لكلّ من الخاصّين بأن أثّر كلّ من الخاصّين لا الخصوصيّتين أثرا خاصّا به مغايرا لأثر الآخر ، فكما يمكن التأثير الاستقلالي فيهما يمكن أن يقعا موردين لتأثير مؤثّرين استقلاليين أيضا بلا فرق ، وهكذا يمكن أن يقع أحدهما موردا لعرض المحموليّة والآخر للموضوعيّة ، إلى غير ذلك ممّا أشير إليه في مبحث اجتماع الأمر والنهي ، فإذن لا ينبغي الإشكال في هذا القسم أيضا . وبالجملة ، لا يحتاج المؤثّران الاستقلاليّان إلى تعدّد المحلّ بأزيد من احتياج الضدّين ، فكما تصوّرنا اجتماع الضدّين في مبحث الاجتماع بواسطة تعدّد موردهما في ما إذا كان بين العنوانين عموم من وجه ، فكذلك يكفي هذا المقدار في اجتماع المؤثّرين الاستقلاليّين أيضا بلا فرق . وحاصل الكلام في المقام أنّ الداعي الغير الإلهي المباح على قسمين : الأوّل : أن يكون داعويّته في غير ما يكون الداعي الإلهي داعيا إليه . والثاني : أن يكون داعيا إلى عين محلّ دعوة الداعي الإلهي ، والقسم الأوّل على قسمين