فنقول : لا بدّ من ملاحظة قطعيّاتنا في باب العبادة وأنّها ما هي ، وما زاد منها ما هو ، وهل الدليل دلّ على اعتبار الزائد أو لا ؟ فاعلم أنا نعلم إجمالا بديهة أنّ الصلاة من جملة العبادات دون التوصّليّات التي يكتفى بوقوعها في الخارج كيف ما اتّفق . ونعلم أيضا بأنّ العبادة لا بدّ فيها وقوع الفعل من المكلَّف بصفة الاختياريّة ، فلو وقع بنحو الاضطرار كفعل النائم والساهي فلا يكفي . ونعلم أيضا أنّ الاختياريّة بمجرّدها غير كافية ، فإنّ أفعالنا الاختياريّة كثيرة ، وليس تمامها عبادة بصرف ذلك ، بل لا بدّ مع ذلك من أن يكون القصد الداعي والباعث نحو العمل جهة من الجهات التي يرجع إلى المولى بنحو من الرجوع ولو لم تكن هي إطاعة أمره ، بل خوفه وهيبته أو الطمع منه . ولهذا نرى تمشّي العبادة بمفهومها من عبدة الأصنام ، مع أنّه لا أمر للأصنام حتّى يكون الداعي العبادي إطاعته ، فليس المعتبر إلَّا ما ذكرنا من كون الداعي جهة لها رجوع إلى المولى وتعلَّق بساحته . ثمّ لو كنّا نحن ومفهوم العبادة فلا يعتبر في تحقّقها غير هذين الأمرين ، وهما كما ترى يجتمعان مع المبغوضيّة الفعليّة أيضا ، بمعنى أنّ حالها حال التوصّلي ، فكما أنّه يمكن حصوله مع الاجتماع مع المبغوض ولو بناء على امتناع الاجتماع ، كذلك العبادة أيضا بمفهومها اللغوي ممكن التحقّق مع المبغوضيّة بأن كان العبادة مع كونها عبادة مبغوضة للمولى ، كما لو أبغض المولى حضور عبده في صفّ سلامه مع هيئة منفّرة خاصّة ، بحيث يتنفّر عن نفس سلامه وعبادته بواسطة وقوعها في هذه الحالة ، مثل صلاة الحائض وصوم يوم العيد . ولكن قد تحقّق لنا في الشريعة اعتبار أمر ثالث أيضا في العبادات الشرعيّة