فإن قلت : التفريق بين الصلاتين مستحبّ ، فالجمع مكروه ، بمعنى أنّه خلاف المستحبّ . قلت : التفريق ولو كان كلتا الصلاتين في وقت واحد غير معلوم الاستحباب وإنّما المعلوم هو التفريق المحصّل للفضل الوقتي ، وفي الحقيقة ليس الفضل للتفريق بما هو هو ، بل لإدراك الوقت الخاصّ المضروب للفضيلة ، وإذن فالأثر الذي يمكن أن يكون محطَّا للنظر في القضيّة المذكورة ليس إلَّا المرجوحيّة للأذان . وحينئذ نقول : المرجوحيّة المتصوّرة فيه على نحوين : الأوّل : المرجوحيّة المصطلحة بمعنى رجحان الترك المطلق من الفعل . والثاني : المرجوحيّة العباديّة ، وهي على نحوين أيضا : الأوّل : أن يكون بمعنى أنّ هناك فعلا آخر لا يجتمع وجودا مع فعل العبادة ، وهو أرجح من العبادة ، ففعل العبادة بالقياس إلى تركها راجح ، ولكن بالقياس إلى ذلك الأمر المضادّ معه مرجوح . والثاني : أن يكون في الخصوصيّة القائمة بالعبادة في فردها الخاصّ حزازة ، فمعنى مرجوحيّتها أنّها بالقياس إلى الفرد الآخر الخالي عن تلك الخصوصيّة مرجوحة ، لا أنّ تركها راجح على فعلها . فنقول في المقام : لا يحتمل أن يكون المرجوحيّة الثابتة للأذان في حال الجمع بين الصلاتين من قبيل القسم الثاني ، أعني : أن يكون بالقياس إلى ضدّ أرجح ، فإنّه وإن كان يحتمل أن يكون في عشاء المزدلفة وعصر العرفة كذلك ، بمعنى أن يكون المبادرة إلى الصلاة الثابتة في ذلك المكان وذلك الموسم ذات فضل أرجح من الأذان ، وعلى هذا التقدير لا ينسلب أصل الفضل عن الأذان ، لكن في كلّ مكان وكلّ زمان يقع فيه الجمع لا يحتمل ذلك فيه ، بل لا يحتمل أصل الرجحان في الجمع بين الصلاتين والمبادرة إلى الصلاة الثانية ، فضلا عن كون ذلك