كان مقطوعا أنّهما أمران منحاز كلّ منهما عن الآخر فلا محالة يكون الكلام المذكور للإرشاد إلى تميّز الواجب منهما عن المندوب ، هذا . مضافا إلى أنّ التتبّع في الروايات يشهد بأنّ الإقامة كانت عند السائلين مفروغا عنها ، بحيث لم يقع سؤال عن تركها كما وقع السؤال عن ترك الأذان ، وأيضا في موارد السقوط مثل المزدلفة وعرفة لم يرخّص شرعا إلَّا في ترك الأذان دون الإقامة ، فيشهد ذلك بأنّ الإقامة من الأمور المفروغ عنها ، بحيث لا يرفع اليد عنها بحال ، كسائر الأفعال الواجبة الصلاتيّة ، نعم مجرّد ذلك لا يدلّ على أنّه تعبّدي أو شرطي . لكنّ الذي يبعّد الوجوب الشرطي في الإقامة ما ورد مستفيضا من أنّ : « من صلَّى بأذان وإقامة صلَّى خلفه صفّان من الملائكة ، ومن صلَّى بإقامة بغير أذان صلَّى خلفه صفّ واحد » [1] . فإنّ التعبير عن شرطيّة شيء للصلاة ليس إلَّا ببطلان الصلاة بدونه ، كقوله : لا صلاة إلَّا بكذا ، وما يؤدّي مؤدّاه ، ولا يتعارف التعبير عنها ببيان الثواب على فعله وأنّ من فعل كذا كان له من الأجر كذا وإن كان ذلك في الواجبات المستقلَّة متعارفا . فالإنصاف منافاة هذه الأخبار مع وجوبها الشرطي دون التعبّدي . ويمكن أن يقال بأنّا نستفيد استحباب الإقامة من أخبار اقتداء الملائكة صفّا أو صفّين ، لا لمجرّد أنّ الترغيب إلى عمل بذكر الثواب يستشمّ منه رائحة الاستحباب ، بل لمقدّمتين مستفادتين من هذه الأخبار .
[1] الوسائل : كتاب الصلاة ، الباب 4 من أبواب الأذان والإقامة .