والاستدلال بهذه الأخبار مبنيّ على تفسير الاتّخاذ قبلة بكون الصلاة في قبال القبر وبحذاه ، وهذا بعيد غايته ، حيث لا يطلق بمجرّد محاذاة شيء لإنسان ومواجهته إيّاه أنّه قبلة له ، فضلا عن صدق اتّخاذه قبلة ، مضافا إلى عدم مناسبة التعليل بلعن اليهود بهذا العمل مع الكراهة ، بل المناسب له التحريم ، وإلى معارضتها على هذا التفسير بالأخبار الكثيرة الواردة في باب زيارة الحسين وسائر الأئمّة صلوات الله عليه وعليهم المشتملة على استحباب الصلاة خلف قبورهم عليهم السّلام وترتّب الثواب عليها . وارتكاب التخصيص بما عدا قبورهم عليهم السّلام ينافيه ما في صحيح زرارة والمرسل المتقدّمين من نهي النبيّ صلَّى الله عليه وآله من اتّخاذه قبره صلَّى الله عليه وآله قبلة ، والتفصيل بين قبره صلَّى الله عليه وآله وقبورهم عليهم السّلام نقطع بعدمه ، فهذه الأخبار منافية مع تلك بناء على التفسير المذكور ، سواء على التحريم أم الكراهة . فالحقّ أن يقال تفصّينا عن جميع ذلك بحرمة عنوان اتّخاذ القبر قبلة ، لكن بمعنى جعله كالكعبة ، لا على سبيل الاستقلال بأن يصلَّي إليه ولو مستدبرا للكعبة المشرّفة ، فإنّه أمر لا ينقدح في ذهن أحد من المسلمين ولو كان من أضعف العوام ، حيث إنّ اشتراط الكعبة في الصلاة صار في المغروسيّة في الأذهان بمثابة لا ينقدح في ذهنهم خلافه حتّى يحتاج إلى النهي والردع ، بل على سبيل المشاركة ، بأن يصلَّى نحو الكعبة ، لكن مع توجّه خاطره إلى القبر الشريف أيضا بأن يجعله كالكعبة المشرّفة وجها لله تعالى . فكما أنّ استقباله للكعبة بعنوان أنّه وجه الله ، كذلك كان متوجّها إلى القبر الشريف بهذا النظر بحيث يجمعهما في الوجهيّة لله تعالى . فهذا المعنى أمر يمكن أن ينقدح في بعض الأذهان العواميّة ، كما انقدح نظيره