وأمّا في مقام الأمر فحيث إنّ الآمر لا يأمر إلَّا بالموضوع المؤثّر النافع فلا محالة لا بدّ أن يخصّ متعلَّق أمره بصورة عدم المانع ، فيقول مثلا عند طلب الإحراق : ألق على هذا المحلّ نارا غير مصادم بالماء ، فلو أتى بالنار المصادم بالماء لم يأت بالمأمور به ، للإخلال بقيده العدمي . فحال الأمر حال الحكم ، فكما أنّ الحكم الجزمي بالنافعيّة ليس إلَّا مرتّبا على الموضوع مقيّدا بعدم المانع ، كذلك الأمر يتعلَّق بعين ما تعلَّق به النسبة الحكميّة الجزميّة التي محمولها النفع . والحاصل أنّا سلَّمنا استفادة المانعيّة لما لا يؤكل في الصلاة ، لا أنّ عدمه شرط ، فالتعبير بشرطيّة العدم انتزاع من مانعيّة الوجود ، كما أنّ التعبير بمانعيّة العدم عند شرطيّة الوجود كذلك ، لكن عدم ورود التقييد في المأمور به من قبل المانع لا نعقله ، فإنّ مقام الأمر غير مقام التأثير . وحينئذ نقول : بعد ما ثبت أنّ للعدم مدخليّة في المأمور به بنحو التقييد فإن اعتبر العدم في محلّ مفروغ الوجود قيدا للفعل المأمور به صحّ استصحابه بالبيان المتقدّم ، لأنّ من أثر اتّصاف المحلّ المذكور بالعدم المذكور شرعا صحّة الفعل المضاف إلى ذلك المحلّ وإجزائه عن المأمور به . وأمّا إذا اعتبر قيدا في الفعل ابتداء وبلا واسطة محلّ مفروغ عنه فاستصحاب العدم إلى حال العمل غير واف بإثبات تقيّد العمل به ، إذ لا يثبت به أنّ هذا المشكوك الذي وقع فيه الصلاة ما حاله . وبعبارة أخرى : أنحاء دخل عدم استصحاب غير المأكول منحصرة في ثلاثة : الأوّل : أن يكون المأمور به الصلاة في حال عدم كون المصلَّي لابسا لغير المأكول .