لا يقال : من المحتمل كون الجواز مخصوصا بحالة التقيّة ، وليس لنا التمسّك بالإطلاق مع هذا الاحتمال ، أترى أنّه يجوز الأخذ بإطلاق كلام المفتي إذا رآه مقلَّده يفتي أحدا بصلاة القصر عقيب سؤاله عن كيفيّة صلاته وهو عالم بحاله من السفر والحضر والرائي جاهل ، فهل يجوز أن يعمّم الحكم بالنسبة إلى المسافر والحاضر مع كونه محتملا لكون السائل مسافرا ؟ وليس هذا من باب الحمل على تقيّة المتكلَّم حتّى يكون على خلاف الأصل ، بل من باب تقيّة السامع ، وليس هو على خلافه ، لكون الحكم حينئذ واقعيّا له في هذا الحال . لأنّا نقول : فرق بين المثال وما نحن فيه ، فإنّه في المثال سأل عن حكم شخص نفسه ، ونحن نحتمل أنّه كان مسافرا والمفتي عالم بحاله ، ولو كان سائلا عن كيفيّة الصلاة بلا إضافة إلى نفسه كان قال : هل يصلَّى الظهر - مثلا - قصرا أو تماما ؟ فأجابه بالقصر كان مثل ما نحن فيه ، والأخذ بالإطلاق حينئذ مع تماميّة مقدّماته صحيح ولو احتملنا كونه مسافرا ، لأنّ الفرض أنّه سأل عن حقيقة الصلاة بالنسبة إلى جميع المكلَّفين ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإنّه قال : هل يصلَّى في قلنسوة إلخ ، ولم يقل : هل أصلَّي ، بل لو كان اللام في قوله عليه السّلام : وإن كان الوبر إلخ للعهد لم يجتمع مع تقيّة السامع أصلا ، لأنّ المفروض تجويزه له في خصوص التكَّة مع ارتكاز المنع في الساتر . اللَّهمّ إلَّا أن يكون اللام للجنس ، كما هو الأصل فيه . لكن بإزاء هذه الصحيحة رواية عليّ بن مهزيار « قال : كتب إليه إبراهيم بن عقبة : عندنا جوارب وتكك يعمل من وبر الأرانب ، فهل يجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقيّة ؟ فكتب عليه السّلام : لا يجوز الصلاة فيها » [1] .
[1] الوسائل : كتاب الصلاة ، الباب 14 من أبواب لباس المصلَّي ، الحديث 3 .