غاية الأمر أنّه مندكّ في الطلب الإيجابي . ولا يخفى أنّ قوام عباديّته والذي يكون داعيا للإنسان في حال عبادته إنّما هو ذات الأمر ، لا هي مع هذا الحدّ العدمي ، فعند النذر أيضا يكون ممتثلا لهذا الأمر وآتيا بالنافلة بمحرّكية أمرها ، لا بمحرّكية أمر « ف بالنذر » ، نعم الداعي له إلى هذا الإتيان بداعي أمر النافلة هو الأمر المذكور نظير إتيان المستأجر بالصلوات الاستيجاريّة ، حيث ليس عباديّته بالإتيان بداعي أمر * ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) * ، بل بداعي الأمر الصلاتي ، والأمر المذكور داع على الداعي . وبالجملة ، المدّعى أنّ النافلة عبارة عن الفعل الذي تحقّق فيه ذات الأمر الندبي وإن انسلخ عنه حدّه ، نعم الاستحباب المصطلح لا يطلق إلَّا على واجد الحدّ . وهكذا الكلام في الفريضة ، فالمراد بها ما كان فيه ملاك الأمر الإيجابي وإن انسلخ عنه حدّ المنع عن النقيض ، كما هو الحال فيما إذا أوجد العبد بعد الإتيان بفرد من الطبيعة المأمور بها قبل حصول الغرض الداعي إلى الأمر فردا آخر منها أوفق بذلك الغرض من الفرد الأوّل ، كما لو أمره المولى بإحضار الماء ليرفع العطش فأحضر ماء ، ولكنّه وجد ماء أصفى وأبرد من الأوّل قبل صرف المولى الماء الأوّل ، فلو أحضره كان هذا تبديلا لامتثال الأمر الإيجابي بالفرد الأحسن ، لا أنّه ممتثل للأمر الندبي ، وهذا الذي يأتي به ثانيا مصداق للمأمور به بالأمر الندبي ، نعم كان له الاكتفاء بالفرد الأوّل ، وهذا معنى استحباب الثاني بالمعنى المصطلح وعدم وجوبه كذلك ، ولكن المستحبّ هو امتثال الأمر الإيجابي بتبديل الامتثال الأوّل ، لا إيجاد فرد ثان مع وقوع الفرد الأوّل امتثالا ، بل هذا إبطال وإلغاء لكون الفرد الأوّل امتثالا وجعل هذا الثاني مكانه ، وهذا وإن كان مستحبّا اصطلاحيّا ، لكنّه داخل في مفهوم الفريضة عرفا .