والحاصل هذا المعنى المستفاد من الخبر لا معارض له في شيء من الأخبار ولا من غيرها ، إذ أوّلا ليس اللسان لسان الأماريّة حتّى يقال : لا يعقل جعل مثل هذا أمارة ، بل لسان الإلحاق والتنزيل . وأمّا الأدلَّة الدالَّة على أنّ الكعبة قبلتنا فنحن نقول : هي قبلتنا ، ولكن هذا الخبر يعلَّمنا كيفيّة استقبالها ، ألا ترى أنّه لو كان الأخبار الحاكية لأنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة كلَّه بلا معارض ممّا دلّ على لزوم تحويل الوجه إلى القبلة لمن التفت في أثناء صلاته أنّه منحرف عن القبلة في ما بين المشرق والمغرب ، لكان القول بمفادها متعيّنا . وحينئذ كانت القبلة الواقعيّة بالنسبة إلى العاجز هو ذلك المقدار ، فهكذا الكلام بالنسبة إلى الخبرين المذكورين ، فلا بدّ من الأخذ بمفادهما من التوسعة المذكورة ، لسلامتهما عن المعارض . لا يقال : إذا بنيت على خبر الجدي فلم لا تعمل بإطلاقه ، فإنّ خصوص المورد لا يخصّص الوارد ، وإلَّا فكلّ سائل عن كلّ مسألة لا محالة يكون جاهلا ، فيلزم على قولك اختصاص الجواب بالجاهلين . لأنّا نقول : فرق بين السؤال في الأحكام وفي الموضوعات ، ففي الأولى لا يوجب جهل السائل تخصيص الجواب ما لم يكن في الكلام تقييد ، وأمّا في الثانية فلا يمكن التعدّي عن الجاهل ، إذ المفروض أنّه كان عالما في مسألتنا بأنّ القبلة هو الكعبة وأنّ استقبالها بحسب المفهوم ما ذا ، وإنّما تمحّض شكَّه في أنّه في أيّ نقطة تكون الكعبة حتّى يستقبلها ، وهذا سؤال موضوعي ، فإن أمكن تعيين النقطة الحقيقيّة والاستقبال الحقيقي له كان هو المتعيّن ، لكن لمّا لم يمكن ذلك قال عليه السّلام : ضع الجدي في قفاك وصلَّه ، فكيف يمكن على هذا التعدّي إلى الرصدي الذي يمكنه