إذ لا يسمى الشاهد شاهدا إلا بعد تحمل الشهادة ، وأجاب عما ذكره القائلون بالوجوب بأنه مجاز لا يصار إليه بعد كون الأخبار آحادا ، وهذا نص كلامه : ( لا يجوز أن يمتنع الانسان من الشهادة إذا دعي إليها ليشهد إذا كان من أهلها ، إلا أن يكون حضوره مضرا بشئ من أمر الدين أو بأحد من المسلمين ، وأما الأداء فإنه في الجملة أيضا من الفرائض لقوله تعالى : ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ، قال : ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ، وقد يستشهد بعض أصحابنا بهذه الآية الأخيرة على وجوب التحمل وعلى وجوب الأداء . والذي يقوى في نفسي أنه لا يجب التحمل ، وللانسان أن يمنع من الشهادة إذا دعي إلهيا ليتحملها ، إذ لا دليل على وجوب ذلك عليه . وما ورد في ذلك فهو أخبار آحاد ، فأما الاستشهاد بالآية والاستدلال بها على وجوب التحمل فهو ضعيف جدا ، لأنه تعالى سماهم شهداء ونهاهم عن الإباء إذا دعوا إليها ، وإنما يسمى شاهدا بعد تحملها ، فالآية بالأداء أشبه ، وإلى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه . فإن قيل : سماهم شهداء لما يؤولون إليه من الشهادة كما يقولون لمن يريد الحج الحاجي وإن لم يحج . وكما قال تعالى : إنك ميت ، أي إنك ستموت . قلنا : هذا مجاز والكلام في الحقيقة غير الكلام في المجاز ، فلا يجوز العدول عن الحقيقة إلى مجاز من غير ضرورة ولا دليل . ) وأجاب في الجواهر بقوله : كأنه اجتهاد في مقابلة النص [1] ، وإن كان ربما
[1] أقول : حاصل الكلام ابن إدريس عدم تمامية الاستدلال بالآية للقول المشهور إلا بمعونة الأخبار ، فتكون هي العمدة في المقام ، لكن الاستدلال بها مبني على القول بحجية خبر الواحد ، فعلى القول بالعدم كما هو مذهبه - والمفروض كون أخبار المقام آحادا - لا يبقى دليل على وجوب التحمل فيجري الأصل . فالصحيح في الجواب عما ذكره انكار كون أخبار المقام آحادا ، ومن هنا قال في الرياض : والطعن فيه بكونه من الآحاد غير جيد حتى على أصله . وقد أشار بذلك إلى ما ذكره العلامة في المختلف بقوله : ( ونسبة ذلك إلى أنه من أخبار الآحاد مع دلالة القرآن عليه واستفاضة الأخبار به وفتوى متقدمي علمائنا به جهل منه وقلة تأمل ) فإن تم ذلك فهو وإلا كان البحث مع ابن إدريس على المبنى . فلاحظ .