وطلبته يمينا وشمالا فخفى عليّ أمره ، وازددت رعبا وانكفأت راجعا إلى عسكري وتناسيت الحديث . فلمّا بلغت قم وعندي أنّي أريد محاربة القوم ، خرج إليّ أهلها وقالوا : كنّا نحارب من يجيئنا بخلافهم لنا ، فأمّا إذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك ، ادخل البلدة فدبّرها كما ترى . فأقمت فيها زمانا ، وكسبت أموالا زائدة على ما كنت أقدّر ، ثمّ وشي القوّاد بي إلى السلطان ، وحسدت على طول مقامي ، وكثرة ما اكتسبت ، فعزلت ورجعت إلى بغداد ، فابتدرت بدار السلطان وسلَّمت عليه ، وأتيت إلى منزلي ، وجاءني فيمن جاءني محمّد بن عثمان العمريّ ، فتخطَّى الناس حتى اتكأ على تكأتي ، فاغتظت من ذلك ، ولم يزل قاعدا ما يبرح ، والناس داخلون وخارجون ، وأنا أزداد غيظا . فلمّا تصرّم [ الناس وخلا ] المجلس ، دنا إليّ وقال : بيني وبينك سرّ فاسمعه . فقلت : قل . فقال : صاحب الشهباء والنهر يقول : « قد وفينا بما وعدنا » . فذكرت الحديث وارتعت من ذلك ، وقلت : السمع والطاعة ، فقمت فأخذت بيده ، ففتحت الخزائن ، فلم يزل يخمّسها ، إلى أن خمّس شيئا كنت قد أنسيته مما كنت قد جمعته ، وانصرف ، ولم أشكّ بعد ذلك وتحققت الأمر . فأنا منذ سمعت هذا من عمّي أبي عبد اللَّه زال ما كان اعترضني من شك [1] . والسند مما لم ينقح للإرسال وغيره ، والمتن تامّ ، فلا يخلو في الجملة عن التأييد وإن لم يبلغ نصاب التعليل والاستدلال . الأمر الثاني : في الأخبار الدالَّة على التحليل أو قيل بدلالتها : اعلم أنّ معظم الاختلاف - في أصل التحليل وعدمه ، وفي اختصاصه بزمن
[1] الخرائج والجرائح ، باب 13 ( معجزات الإمام صاحب الزمان ( عجّل اللَّه تعالى فرجه ) ) ، ح 17 ، ج 1 ، ص 472 - 475 . وأورد منه قطعة في الوسائل ، كتاب الخمس ، ب 3 من أبواب الأنفال ، ح 9 .