تمام الموضوع لحرمة الأكل هو البطلان ، سواء كان الاستثناء متصلا ، أي تكون بالباطل علة للحكم ، أو منقطعا ، أي يكون ذلك قيدا لموضوعه ، لعدم احتمال أن يكون الأكل أو المال - أو غير ذلك مما ذكر في الآية - دخيلا في الحكم ، وبقرينة التقابل بين البطلان والتجارة يفهم أن علة جواز الأكل بالتجارة هو الحق وعدم البطلان ، لعدم احتمال تعبد الشارع بجواز الأكل بالتجارة مع أنه باطل . فتصبح النتيجة : أن الآية في مقام بيان عدم جواز أكل المال الحاصل بالباطل ، وجوازه الحاصل بالحق ، وبما أن الموضوع وقيوده لا بد من أن تؤخذ من العرف ، فالنتيجة حرمة أكل المال الحاصل بالأسباب الباطلة عرفا ، وحلية أكله الحاصل بالأسباب الحقة عرفا ، وبما أنه لا يحتمل حلية الأكل من غير جهة إمضاء الأسباب - كما مر في الآية السابقة - فيعلم من الآية إمضاء الشارع جميع الأسباب الحقة بنظر العرف ، ومنها المعاطاة ( 1 ) .
1 - إن موضوع الحكم وإن كان اللازم أخذه من العرف ، إلا أنه في خصوص المقام الآية مبتلية بالمخصص العقلي ، وهو أن حلية الأكل وحرمته غير مترتبين على الحق والباطل العرفيين مطلقا ، بل العقل يحكم بأنهما مترتبتان على الحق والباطل العرفيين النافذين عند الشارع ، فيكون الشك في التنفيذ شبهة مصداقية للآية . وبعبارة أخرى : لو كان المدلول المطابقي للآية الكريمة إنفاذ العقد ، لكان الشك في الانفاذ من الشك في التخصيص ، إلا أن مدلولها حلية الأكل والتصرفات وحرمتها ، وهذه غير مترتبة على الموضوع العرفي مطلقا قطعا ، بل مختص بما أمضاه الشارع وبما هو نافذ عنده ، فتكون الشبهة مصداقية . هذا على التقريب الذي أفاده السيد الأستاذ مد ظله ، وهو استفادة الانفاذ بالدلالة الالتزامية . وأما على ما هو الظاهر من أن الأمر والنهي في الآية المباركة إرشاد إلى إنفاذ الحق والباطل ، فالآية وإن كانت سليمة عن المخصص العقلي ، إلا أن فيها إشكالا آخر يتعرض السيد الأستاذ له فيما بعد ، وهو أن نظر العرف للباطل والحق ، معلق بعدم تصرف الشارع بدخل أمر وجودي أو عدمي في المعاملة ، فمع الشك في ذلك يشك في الموضوع العرفي أيضا ، فتكون الشبهة مصداقية . المقرر حفظه الله .