ولو سلمنا أن التعليق شرعي ، والاستصحاب جار ، فلا بد من أن نلتزم بحكومة هذا الاستصحاب على الاستصحاب التنجيزي المتقدم ، لا لكونه أصلا جاريا في السبب والثاني أصلا جاريا في المسبب ، فإن ميزان تقدم أصل على أصل ليس ذلك ، بل الميزان تنقيح أحد الأصلين موضوع دليل اجتهادي ، فيرتفع موضوع الأصل الآخر ، لحكومة الدليل الاجتهادي على الأصل ، وقد مر هذا مفصلا في المباحث السابقة . ففي المقام استصحاب سقوط الذمة - على تقدير أداء العين - استصحاب في حكم كلي ينتج حكما كليا ، وهو سقوط الذمة على ذلك التقدير ، فلو أدى العين وجدانا أحرز سقوط الذمة لضم تلك الكبرى الشرعية المستصحبة إلى هذه الصغرى الوجدانية ، وعليه فلا شك في سقوط الذمة حتى يجري استصحاب بقاء العهدة . ونظير هذا ذكرنا في وجه حكومة جميع موارد الاستصحابات التعليقية على التنجيزية ( 1 ) ، فاستصحاب الحرمة على تقدير الغليان - في المثال المعروف - بضم الغليان وجدانا ينتج حرمة هذا ، فلا شك في الحرمة حتى تستصحب الحلية . وبعبارة أخرى : موضوع دليل الاستصحاب هو الشك ، ففي الاستصحاب التعليقي الشك في بقاء الكبرى الشرعية ، كالحرمة على تقدير الغليان ، أو السقوط على تقدير الأداء ، وفي الاستصحاب التنجيزي الشك في الحكم الفعلي ، وبعد إحراز الكبرى بالاستصحاب لا يبقى شك في الحكم الفعلي حتى يستصحب ( 2 ) .
1 - نفس المصدر : 173 . 2 - أقول : الدليل كما لا يمكن تكفله بوجود موضوعه كذلك لا يمكن تكفله بنفي موضوعه ، وهذا ظاهر ، والمفروض أن دليل الاستصحاب إنما هو بلسان واحد متكفل ببيان حرمة النقض في مورد اليقين والشك ، ولا يعقل إعدام موضوعه في مورد بغرض شموله لمورد آخر . وبعبارة أخرى : لو لم يكن في البين دليل على الاستصحاب ، لكنا على يقين من الحكم التعليقي والشك فيه ، وعلى يقين من الحكم التنجيزي والشك فيه ، وحينئذ إذا لاحظنا دليل الاستصحاب وعدم إمكان شموله للحكمين معا ، كيف يمكننا إحراز شموله للحكم التعليقي ؟ ! نعم ، لو شمله لانتفى موضوع الثاني ، إلا أن الشمول أول الكلام . والحاصل : أن ميزان اليقين والشك في دليل الاستصحاب ، اليقين والشك مع قطع النظر عن هذا الدليل ، وهذا موجود في كلا الحكمين . فالصحيح وقوع المعاوضة في موارد جريان الاستصحابات التعليقية . وبعبارة أخرى : الحكم بعدم شمول دليل الاستصحاب للحكم التنجيزي بدعوى شموله للحكم التعليقي . وانتفاء موضوع الاستصحاب في التنجيزي دوري ، لأنه لو شمل لكان كذلك ، لكن الكلام في الشمول ، والقول بأن موضوع الاستصحاب موجود في التعليقي فيشمله الدليل ، فينتفي موضوع الثاني ، لا يجدي نفعا ، لأن مع قطع النظر عن شمول الدليل للتعليقي يشمل التنجيزي أيضا ، فلو قدمنا الاستصحاب في التعليقي لانتفى موضوعه في التنجيزي ، لكن السؤال في وجه تقديم الاستصحاب في التعليقي ، حتى ينتفي موضوعه في التنجيزي بإحراز الكبرى بالاستصحاب ، بل شمول الدليل للموردين بمرتبة واحدة ، ولا مجال للتقديم حتى تصل النوبة إلى رفع الشك في الآخر . المقرر دامت بركاته .