هذا ، وكيف يمكن تصديق هذا الكلام ، مع أن اجتهاد الثاني على بطلان اجتهاد الأول في الأمارات ، وأن المأتي به غير مطابق للواقع ، والذمة مشغولة به في التكليفيات ، ولم يتحقق موضوع الأثر في الوضعيات ، على أن تساوي نسبة الدليل إلى الظنين يقتضي أن يحكم القائل بالفساد في المقام بذلك لا الصحة ، وإلا لكان تابعا للآخر في ظنه وهدم اجتهاده باجتهاد الآخر . في إجزاء أعمال المقلد المطابقة لفتوى من يقلده ومما ذكرنا ظهر حكم المقلد أيضا بالنسبة إلى إجزاء أعماله - المطابقة لفتوى من يقلده - عن الواقع إذا قلد شخصا آخر بعد ذلك ، أو عمل معاملة مع مقلد شخص آخر ، يكون عمل هذا المقلد فاسدا عند مجتهد المقلد الأول ، صحيحا عند مجتهد نفسه ، فلو قلنا : بأن الأصول والأمارات كما هي جارية بالنسبة إلى المجتهد ، كذلك تجري بالنسبة إلى المقلد ( في الشبهات الحكمية ) ، غاية الأمر حيث إنه لا يتمكن من الفحص اللازم في أحكامها ، ينوب عنه المجتهد في ذلك ، وإلا فمستند فعل المكلف ليس إلا الأمارة أو الأصل ، فلا بد من التفصيل المتقدم . ولو قلنا : بأن الأصول والأمارات موضوع لها بالنسبة إلى المقلد ، فإنه لا يتمكن من تنقيح مجاريها ، فإن الفحص اللازم ، أو إعمال الترجيح أو غيره بالنسبة إلى المتعارضين ، وغير ذلك مما هو معتبر في العمل بالإمارة أو الأصل ، منحصر بالمجتهد ، فعدم شمول دليل حجية ذلك بالنسبة إلى المقلد من جهة السلب بانتفاء الموضوع ، واستناد المقلد في عمله إنما هو إلى فتوى المجتهد ، فتكون الفتوى من قبيل الأمارات ، فإن المجتهد بعد استناده إلى الأمارة أو الأصل يفتي بالواقع ، وفتواه بالنسبة إلى المقلد أمارة إليه ، فعلى ذلك يجري فيه ما ذكرنا في الأمارات .