فيحتمل أن يكون ذلك لخصوصيّة في الغصب الذي هو موردها ، ويحتمل أن يكون لتخطئة الشارع طريقة العرف في تدارك التالف في جميع الموارد ، وليس هذا من باب التعارض بين هذه الصحيحة والحديث النبوي ، فإنّ الحديث ليس مدلوله اللفظي كون الاعتبار بقيمة يوم الأداء ، بل استفيد من إطلاق كون العين في عهدة الأخذ الذي هو مضمونه أنّه لو طالب المالك العين وجب على القابض دفع العين . وأمّا إنّ دفع العين في صورة التلف إنّما هو بدفع قيمته يوم الأداء ، فهو المطابق للمرتكز في أذهان أهل العرف . ولا بأس بشرح بعض فقرأت الصحيحة تيمّنا . فنقول : قوله : فقال : ما أرى لك حقا ، إلى آخره . مراد أبي حنيفة هو القاعدة المسلَّمة بين العامّة من أنّ الخراج بالضمان ، يعني : أنّ المنافع تكون لمن عليه ضمان التلف والأرش ، فالمكتري المذكور حيث إنّه اكترى البغل لأن يركبه في الطريق بين الكوفة والقصر ، فخالف ذلك وركبه من طريق الكوفة إلى النيل ، ثمّ منه إلى بغداد ، ثمّ منه إلى الكوفة ، فهو غاصب من أوّل الأمر ، وكان ضمان التلف والأرش عليه في تمام هذه المدّة ، فصار مالكا للمنافع في جميع المدّة ، والمفروض أنّه أعاد البغل سالما ، فلم يبق للمالك حقّ عليه . قوله : ذاهبا من الكوفة ، إلى آخره . يظهر منه أنّه لم يكن بين الكوفة والقنطرة مسافة معتدّ بها ، ضرورة أنّه لو كان بينهما هذه المسافة ، كان اللازم احتساب كري البغل إلى القنطرة من أجرة المسمّى ، لا أجرة المثل ، لأنّ الركوب إليها كان بحقّ ، والمخالفة حصلت منها . قوله : ( فلي عليه علفه ، فقال : لا ، لأنّك غاصب ) إلى آخره ، ومن الواضح أنّ جميع ما ينفق الغاصب على المغصوب قد ذهب من كيسه ، وليس له حقّ مطالبتها من المالك .