أيضا ، وقد عرفت أن المساهمة المحكية في الكتاب في موردين كانت هي المساهمة العقلائية ظاهرا ، ومن المعلوم أن مورد إجراء القرعة ومحلها عند العقلاء لا يكون عاما شاملا لجميع موارد الاشتباه والجهل [1] ، بل العقلاء يعملون بها في موارد مخصوصة ، والظاهر أن ضابطها تزاحم الحقوق . وبعد ثبوت هذا البناء لا يكاد يفهم من مثل رواية محمد بن حكيم العموم لغير تلك الموارد . ويؤيد ما ذكرنا أنه مع كون هذه الرواية بمرأى ومسمع من الأصحاب ، بل ادعي الإجماع على صدور مضمونها من الشيخ والشهيد وغيرهما ، وتمسكوا بها في غير مورد من مسائل القضاء وأشباهها ، ولم يظهر من أحد منهم التمسك بها ، والفتوى بمضمونها في غير موارد تزاحم الحقوق ، نعم حكي عن ابن طاووس [2] الفتوى بالقرعة في مورد اشتباه القبلة [3] . ولكنه من الشذوذ بمكان [4] ، مضافا إلى كونه مخالفا
[1] هذا أول الكلام ، بل عمل الاستخارة من المسلمين ، وإعمال ما يشبهها من غيرهم يدل على العموم كما لا يخفى . [2] وهو قدوة العارفين ، رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الذي قال العلامة في حقه : " كان أعبد من رأيناه من أهل زمانه ، وكانت وفاته عام 664 " . [3] الأمان من أخطار الأسفار والأزمان : 93 - 94 . [4] قوله : من الشذوذ بمكان . أقول : نسب هذا القول إليه زين الدين الشهيد الثاني في كتاب تمهيد القواعد في بحث التعادل والتراجيح : ص 283 وارتضاه عند ضيق الوقت وجعله في العروة : 1 / 411 أحوط ، ويأتي دلالة أدلتها على ذلك لو لم يخالف الإجماع ، ولم يدل عليه دليل خاص .