واليقين اللذين وراءه . فكما أنّه لا يجوز الحكم والقضاء من أوّل الأمر ، إلاّ بعد العلم واليقين ، فكذلك لابدّ من استمرار نفس العلم ؛ بمعنى أنّه لا يجوز العمل بالحكم وإجرائه ، إلاّ فيما إذا بقي على علمه ويقينه . وعليه ، فكلّ ما يدلّ على الأوّل من الآيات والروايات ودليل العقل ، فهو نفسه يدلّ على الثاني أيضاً ؛ مضافاً إلى ذلك أنّ الحكم المشكوك لو كان في موارد الحدود ، فيكون مشمولاً لقاعدة : " الحدود تدرأ بالشبهات " ، فحينئذ يمكن تعميمه إلى غير مواردها بعدم القول بالفصل . كذلك يؤيّد ما ذكرنا ما روي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في قوله لمالك الأشتر في وصف الحاكم : " ولا يحصر من الفيء ( أي : الرجوع ) إلى الحقّ إذا عرفه . . . ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه ، وأوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج " [1] فإنّه كما يشمل الشبهة الابتدائيّة يشمل الشكّ الساري . والحاصل أنّ شأن القضاء من هذه الجهة ، هو شأن الإفتاء ، فكما لا يجوز الإفتاء على طبق الرأي السابق بعد زواله بطروّ الشكّ فكذلك القضاء ، ولا يفترقان من هذه الحيثيّة ، وإن كان الأوّل إخباراً ، والثاني إنشاءاً . وأمّا القول بعدم جواز الإبطال ووجوب العمل به بناءاً على أصالة الصحّة فإنّه قول بيّن الخطأ ؛ وذلك لعدم جريان أصالة الصحّة إلاّ في عمل الغير [2] أوّلاً ، ولعدم كون المورد من موارد أصالة الصحّة ثانياً ؛ لأنّها إنّما تجري فيما لم تكن صورة العمل محفوظة ، وما نحن فيه ليس كذلك كما قال به المحقّق النائيني ( رحمه الله ) في جريان قاعدة الفراغ ، وعبّر عنه بعدم تحفّظ صورة العمل . [3] والسرّ في ذلك أنّ قاعدة الصحّة كقاعدة الفراغ أصل عقلائي لا تعبّدي . فإذا شكّ الإنسان في عمل عمله في الزمن السالف ، هل راعى فيه جميع الجهات اللازم مراعاتها أم
[1] نهج البلاغة ، الكتاب 53 ، ص 434 . [2] فوائد الأصول ، ج 4 ، ص 653 . [3] نفس المصدر ، صص 649 و 650 .