فنحن في الوقت الذي نقول فيه أنّ حكم الفقيه المبسوط اليد - نائب الإمام - مطابق لما قلناه زمن حضور الإمام ( عليه السلام ) ، في الوقت نفسه نقول : إنّ الولاية المطلقة على الأمور ، تلك التي نراها للإمام المعصوم ( عليه السلام ) ؛ ليست هي بنفس الكمّ والكيف لنائبه في زمن الغيبة ومن غير نقصان بل ، الإمام إمام وحقّه محفوظ ، وعصمته لا يرقى إليها غير المعصوم من الفقهاء . والكلام هو - وكما ذكرناه مراراً - أنّ نصب القاضي وإعداد التنظيمات القضائيّة هو جزء مهمّ من كيان الحكومة وأركانها . وإنّ من يقول : إنّه يجوز تشكيل الحكومة الحقّة في عصر الغيبة ، على أساس من القرآن وهو نفسه لابدّ له من أن يقول بجواز نصب القاضي أيضاً . وبالتالي ، فإذا كان نصب القاضي وإجازة القضاء طبعاً لابدّ من أن تكون بيد أحد ، فلا شكّ بأنّ اختيار نصب القاضي ، في حال الاختيار والاضطرار ، إنّما يكون بيده أيضاً . فنورد هنا كلام المحقّق الرشتي ( رحمه الله ) لاتّضاح ما قلناه ببيان آخر . قال ( رحمه الله ) : " ما ذكرناه من عدم جواز قضاء المقلّد كان مختصّاً بحال الاختيار وأمّا حال الاضطرار - يعني عدم وجود مجتهد في البلد وتعسّر الترافع إليه أو تعذّره - فيظهر الحال فيه بعد ذكر مقدّمة أشرنا إليها إجمالاً ؛ وهي : إنَّ وجوب القضاء وفصل الخصومات ورفع المنازعات ، من المستقلاّت العقليّة التي يستقلّ بها العقل بعد حكمه بوجوب بقاء النظام . ولذا ، احتملنا قويّاً في الآية الشريفة : ( يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحقِّ ) [1] ؛ أن يكون المتفرّع على الخلافة ، القيد ، أعني كون الحكم على نحو الحقّ ؛ بأن تكون شرعيّة أصل الحكم له ، معلومة بالعقل المستقلّ ويكون الغرض من التفريع آكديّة الحكم بالحقّ في حقّ الخلفاء . لكن ذلك الحكم من العقل على وجه الإيجاب الجزئي بمعنى حكمه بوجوب وجود القاضي والفاصل في الجملة وأمّا حكمه بوجوب القضاوة على الجميع أو على البعض المعيّن ، فلا .