ولا يرد عليه أنّ الإجمال في حكم العقل غير معقول ؛ لأنّ الإجمال ليس في موضوع حكم العقل ، ولا في محموله بل ، في مصاديق الموضوع ؛ نظير استقلاله بقبح تناول المضرّ ، فإنّه لا ينافي شكّه في قبح تناول شيء ، باعتبار الشكّ في اندراجه تحت مفهوم المضرّ . فالذي يقضي به العقل أن يكون شخص قاضياً بين الناس ، مع عدم ترتّب المفسدة على قضاوته . ولمّا لم يتشخّص عنده هذا الشخص ، ولا يدرك مصاديقه فتعيينه موكول إلى الشارع العالم بخفيّات الأمور . فتعيين الشرع شخصاً للقضاء ، تشخيص لموضوع حكم العقل ، كما أنّ حكم الشرع بأصل القضاء تأكيد لحكم العقل ، فإن تعيّن من قبل الشارع القاضي ، فهو المتّبع وإلاّ فإن كان في المكلّفين شخص متّفق عليه ، وقدر متيّقن وجب الاقتصار عليه ، لأنّ الضرورة تتقدّر بقدرها وإلاّ ، وجب على المكلّفين جميعاً ، وجوباً عقليّاً كفائياً ، لاستحالة التعيين المستلزم للترجيح بلا مرجّح . وهذا أصل عقليّ مطّرد ، في جميع الأمور الحسبيّة القاضي بإقامتها العقل المستقلّ ؛ كإغاثة الملهوف ، ومحافظة النفوس ، والأموال الضائعة ، ونحوها من الأمور الحسبيّة ؛ فإنّ الضابط فيها ما ذكرنا من اتّباع التعيين الشرعيّ للمقيم بها . ومع عدم التعيين الشرعي ، فالاقتصار على الشخص المتّفق عليه والقدر المتيّقن ، ومع التساوي ، فالوجوب الكفائي . " [1] فإذن إنّ الضرورة تقدّر بقدرها ؛ ففي الشبهات الموضوعيّة جاز للمقلّد الخبير التصدّي للقضاء تحت نظارة المجتهد الجامع للشرائط - كما في غيره من الصفات إلاّ الصفات الأساسيّة - فكذلك يجوز تصدّيه في الشبهات الحكميّة إذا نظر فيه المجتهد الجامع للشرائط . وكما يجوز النظر وإرائة الفكرة بعد قضاء غير الجامع للشرائط جاز قبله بإرائة القانون الجامع الكامل وهداية شاملة كما هو الرائج في زماننا هذا وكما أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يهدي القضاة قبل التصدّي .