ونقبل بضرورة النظام والأجهزة الحكوميّة أيضاً ولكنّنا لا نقبل لزوم التعيين الشخصيّ والنصب الخاصّ في كلّ التشكيلات أو في بعضها ، فليس ذلك إلاّ مكابرة واضحة . وحيث إنّ أصحابنا الإماميّة ( رحمهم الله ) ، لمّا لم يتعرّضوا لهذا الفرض ، وأعني به فرض زمان غيبة الإمام المعصوم ( عليه السلام ) وقيام الحكومة الحقّة ، تركوا شرط النصب الخاصّ في زمن الغيبة مطلقاً واكتفوا فيه بالنصب العامّ من قبل الإمام ( عليه السلام ) وجواز ممارسة القضاء لكلّ من توفّرت فيه الشرائط ، وإن لم يصدر في حقّه نصب خاصّ كما قال الماتن المحقّق ( رحمه الله ) . قال الصهرشتي ( رحمه الله ) : " ويُتولّى ذلك من قبل الإمام الظاهر من قبل الله تعالى وفي حال الغيبة لفقهاء الشيعة أن يقضوا بالحقّ ما تمكّنوا منه . " [1] وقال العلاّمة ( رحمه الله ) : " وفي حال الغيبة ينفذ قضاء الفقيه الجامع لشرائط الإفتاء " . وقال المحقّق العاملي ( رحمه الله ) في شرحه : " يدلّ عليه الإجماع والأخبار ودعوى الظهور في حال الحضور في حيّز المنع بل ، ظاهرها العموم . " [2] وقال الشهيد الأوّل ( رحمه الله ) : " وفي غيبة الإمام ينفذ قضاء الفقيه الجامع للشرائط . " [3] وقال الشهيد الثاني ( رحمه الله ) في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : " ويجوز للفقهاء حال الغيبة إقامة الحدود مع الأمن والحكم بين الناس مع اتّصافهم بصفات المفتي . " [4] وجملة القول أنّ عدم تصوّرهم لإمكان إقامة الحكومة الشرعيّة الحقّة صار سبباً لإلغاء شرط نصب القاضي من قبل وليّ الأمر والاكتفاء بالنصب العامّ ، مع اجتماع بقيّة الشروط مع أنّ ذلك يوجب الفوضى في نظام المجتمع الإسلامي وتنظيماته . ولا شكّ ، أنّ إيجاد الفوضى محرّم قطعاً في مثل هذه الصورة المفروضة فلاحظ وتأمّل حتّى لا يختلط عليك الأمر .
[1] القضاء والشهادات من سلسلة الينابيع الفقهيّة ، ص 105 . [2] قواعد الأحكام ، ج 3 ، ص 419 - مفتاح الكرامة ، ج 10 ، ص 3 . [3] الدروس الشرعيّة ، ج 2 ، ص 67 - الروضة البهيّة ، ج 3 ، ص 62 . [4] مسالك الأفهام ، ج 3 ، ص 108 .