والتي تدل على عبقرية سماحته ودقة فهمه وتحليله للأوضاع التي سادت العالم هو أنه مع نمو العولمة يزداد تركيز الثروة ، وتتسع الفروق بين البشر والدول اتساعا رهيبا لا مثيل له ؛ نلاحظ أن 358 مليار ديرا في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه 5 , 2 مليار من سكان الأرض ، أي ما يزيد قليلا على نصف سكان العالم ، وأن هنا لك 20 % من دول العالم تستحوذ على 85 % من الناتج العالمي الإجمالي ، وعلى 84 % من التجارة العالمية ، ويمتلك سكانها 85 % من مجموع المدخرات العالمية ، هذا التفاوت القائم بين الدول يوازيه تفاوت آخر داخل كل دولة ، حيث تستأثر قلة من السكان بالشطر الأعظم من الداخل الوطني والثروة القومية ، في حين تعيش أغلبية السكان على الهامش . وبعد أن يفصل سماحته الكلام حول هذا النوع من العولمة ، فقد حسم الجدل بين الباحثين والمفكرين بتحليله الدقيق لهذه الظاهرة حين يقول : إن نموذج الحضارة الذي ابتكره الغرب لم يعد صالحا لبناء المستقبل ، أي لبناء مجتمعات قادرة على النمو والانسجام مع الفطرة والبيئة وتحقيق توزيع عادل للثروة والدخل ، ويعتقد ( قدس سره ) أن الدعاية المفرطة لهذا النموذج كانت جزء من الحرب الباردة ، ولهذا تسود الآن حسب رأي الإمام عملية نوع تحول تاريخي بأبعاد عالمية واضحة ، ينعدم فيها التقدم والرخاء ، ويسود التدهور الاقتصادي والتدمير البيئي ، والانحطاط الثقافي ، في ضوء حضارة التنميط التي تسعى العولمة الغربية لفرضها . ويرى سماحته قضية على جانب كبير من الأهمية ، ولها علاقة وثيقة بالعولمة الغربية والتي تكشف حقائق يتغافل عن إثارتها الكثير من الباحثين الغربيين وأهل السياسة ألا وهي قضية النمو المطرد للبطالة ، وما يرتبط بها من تقليص في قدرة المستهلكين واتساع دائرة المحرومين ، فتحت تأثير الركض المحموم وراء الأرباح المرتفعة التي أصبحت تتحقق في الأسواق النقدية والمالية للبعض فقط ، راحت القطاعات تتنافس وتتصارع من أجل خفض كلفة الإنتاج ، وكان التنافس ضاريا والضغط شديدا على عنصر العمل للوصول إلى مسألة الأجور إلى أدنى مستوى ممكن . ويحدد الإمام ( قدس سره ) بأن هذا الأمر لم يقتصر على الذين أُبعدوا عن