ثم جلس ( عليه السلام ) في مجلس القضاء ودعا بعبيد الله بن أبي رافع وكان كاتبه وأمره أن يحضر صحيفةً ودواةً ثم أمر بالقوم أن يفرقوا في نواحي المسجد ويجلس كل رجل منهم إلى سارية ، وأقام مع كل واحد منهم رجلا وأمر بأن تغطي رؤوسهم وقال لمن حوله : « إذا سمعتموني كبرت فكبروا » . ثم دعا برجل منهم فكشف عن وجهه ونظر إليه وتأمله وقال : « أتظنون أني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى ، إني إذاً لجاهل » ثم أقبل عليه فسأله ، فقال : مات يا أمير المؤمنين ، فسأله كيف كان مرضه وكم مرض وأين مرض وعن أسبابه في مرضه كلها وحين احتضر ومن تولى تغميضه ومن غسله وما كفن فيه ومن حمله ومن صلى عليه ومن دفنه . فلما فرغ من السؤال رفع صوته وقال : « الحبس الحبس » وكبر ، وكبر من كان معه فارتاب القوم ولم يشكوا أن صاحبهم قد أقر . ثم دعا برجل آخر فقال له مثل ما قال للأول فقال الرجل : يا أمير المؤمنين إنما كنت واحداً من القوم ولقد كنت علم الله كارهاً لقتله وأقر بالقتل . ثم دعاهم واحداً واحداً فأقروا أجمعين ما خلا الأول ، وأقروا بالمال فردوه وألزمهم ما يجب في القصاص . فقال شريح : يا أمير المؤمنين كيف كان حكم داود في مثل هذا الذي أخذته عنه ؟ فقال ( عليه السلام ) : « مر داود ( عليه السلام ) بغلمان يلعبون وفيهم غلام منهم ينادونه ( يا مات الدين ) فيجيبهم ، فوقف عليه داود ( عليه السلام ) فقال : يا غلام ما اسمك ؟ فقال : مات الدين . قال : ومن سماك بهذا الاسم ؟ قال : أمي . قال : وأين أمك .