ولا يخفى أن المستفاد من كلامه أولاً وآخراً أنه تجب الجمعة عيناً مع الإمام أو نائبه الخاص أو العام - أعني الفقيه الجامع لشرائط الفتوى - وهو المراد بقوله « أو من جرى مجراه » وحمله على أن المراد من نصبه لخصوص الصلاة أو من جرى مجراه بأن نصبه للأعم منها بعيد مع أنه يشمل الفقيه أيضاً ، ومع عدم النائب والفقيه ووجود العادل يجب تخييراً من التمكن من الخطبة فتدبر . ثم أقول : إذا عرفت هذه الاختلافات فالذي يترجح عندي منها الوجوب المضيّق العيني في جميع الأزمان ، وعدم اشتراط الإمام أو نائبه الخاص أو العام بل يكفي العدالة المعتبرة في الجماعة ، والعلم بمسائل الصلاة أما اجتهاداً أو تقليداً ، أعم من الاجتهاد والتقليد المصطلح بين الفقهاء ، أو العالم والمتعلم على اصطلاح المحدثين . نعم يظهر من الأخبار زائداً على إمام الجماعة القدرة على إيراد الخطبة البليغة المناسبة للمقام بحسب أحوال الناس والأمكنة والأزمنة والأعوام والشهور والأيام ، والعلم بآدابها وشرائطها . فإذا عرفت ذلك ، فاعلم أنه استفيد من تلك الآيات أحكام : الأول : وجوب الجمعة على الأعيان في جميع الأزمان ، وجه الاستدلال اتفاق المفسرين على أن المراد بالذكر في الآية الأولى صلاة الجمعة أو خطبتها ، أو هما معاً ، حكى ذلك غير واحد من العلماء ، والأمر للوجوب على ما تحقق في موضعه ، لا سيما أوامر القرآن المجيد . والمراد بالنداء الأذان أو دخول وقته كما مر فالمستفاد من الآية الأمر بالسعي إلى صلاة الجمعة أي الاهتمام في إيقاعها لكل واحد من المؤمنين ، متى تحقق الأذان لأجل الصلاة أو وقت الصلاة ، وحيث كان الأصل عدم التقييد بشرط يلزم عموم الوجوب بالنسبة إلى زمان الغيبة والحضور .