فالترجيع والتحزين يتعيّن حملهما على معنى لا يحصل منه الطرب والحزن الحاصلان من ترجيع الغناء ، فإنّ قراءة القرآن على وجهه من الترتيل المقرّر والمدّ والتشديد وبيان الحروف بيانا شافيا ونحو ذلك أيّ بعد في تسميته ترجيعا يكون غير ترجيع الغناء ؟ وينبّه على هذا قوله عليه السّلام : « يرجّعون القرآن ترجيع الغناء » فإنّه يفهم منه أنّ ترجيع القرآن غير هذا الترجيع وأنّه يحصل بما لا يكون ترجيع الغناء وهو الترجيع الذي يحصل منه الطرب الحاصل من مجرّد الترجيع بالصوت وترجيع القرآن لا يحصل منه الطرب بل يحصل منه ما يكون له فائدة وتأثير في القارئ والمستمع . وممّا ينبّه من له قلب أنّ المغنّي يحصل له الطرب بذلك الصوت وكذا مستمعه ولا يكون ناظرا إلى معاني ما يغنّي به إلَّا أن تكون موافقة لغرضه الفاسد . وحاصل هذا أنّ الغناء إذا وقع النهي عنه عن الرسول عليه السّلام منبّها على أنّ المغنّي بالقرآن يكون نظره إلى مجرّد تحسين الصوت وملاحظة مقاماته من دون تدبّر معانيه وتأثيرها في القارئ والمستمع وهذا هو الغناء في القرآن . وتحسين الصوت والحزن والترجيع التي لا يصدق عليها الغناء لا يكون غناء ولهذا قال عليه السّلام : « لا يجوز تراقيهم » [1] ومعناه على ما خطر لي أنّ أثره لا يحصل إلى القلب ليحصل منه فائدة ما يحصل من قراءة يجوز أثرها إلى القلب والجوارح . وعلى ما ذكره ابن الأثير في النهاية إنّ معناه أنّ قراءتهم لا يرفعها اللَّه ولا يقبلها . وتقدّم أنّ جدّي رحمه اللَّه قال في المسالك : « إنّ الأحاديث الصحيحة خصصت الحداء والغناء في الأعراس » [2] . وفي الكافي في باب من يظهر الغشية عند قراءة
[1] الكافي ، ج 2 ، ص 614 ، باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن ، ح 3 . [2] المسالك ، ج 2 ، كتاب الشهادات ، ص 404 .