فإن قلت : النهي وقع عن الغناء وليس جمعا معرّفا ليفيد العموم فيمكن أن يكون المحرّم منه بعض ما خرج عن القرآن ممّا هو مصاحب للشرب وآلات اللهو . قلت : . . . هذا ناشىء عن مجرّد التشهّي وعدم التأمّل وقد تقرّر أنّ المفرد المحلَّى يفيد العموم لا من جهة الوضع كما ستسمعه وإذا دلَّت الأدلَّة على تحريم مطلق الغناء دخل في ذلك كلّ ما يصدق عليه الغناء ، والمستثنى منه بدليل معقول خرج به هو الحداء وغناء الأعراس ؛ وطرق سمعك مرارا أنّ ما جعله دليلا على استثناء بعض أفراده أو أكثرها لا دلالة فيه وإنّما منشؤه مجرّد ميل الطبع وإذا لم يدلّ دليل على ذلك دخل تحته كلّ فرد . . . وسمعت أيضا أنّ حسن الصوت وتحسينه والقراءة بالحزن والبكاء والتباكي لا دلالة لشيء منها على إخراج فرد من أفراد الغناء سوى ما استثني بدليل معقول فكيف لا يكون هذا من قبيل : « إذا كان الماء قدر كرّ » [1] و * ( أَحَلَّ ا للهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) * [2] فهذا من قبيل أن يقال : « إذا كان الماء قدر كرّ » المراد به أن يكون في حوض متساوي الأبعاد ونحوه وأن يكون البائع قاعدا أو قائما وأخذ الربا مضطجعا وفي مثل * ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ) * [3] و * ( السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ) * [4] أن يكون كلّ منهم عاريا . فينبغي لمن يريد الاستدلال أن يشخّص أوّلا معنى الغناء ما هو ، فإمّا أن يبني على العرف أو على الترجيع المطرب ثمّ يبني عليه ما يريد بناه لا أنّه يتوهّم بما لا دلالة له على ما ادّعاه ذلك ثمّ يبني على غير أساس ، إذ قد ظهر من تحقيقه أنّ الترجيع وحده غناء ، والبكاء والتباكي غناء ، وحسن الصوت غناء ، وتحسينه غناء ،