الأحاديث أيضا مؤيّدة لتأويل أبي عبيد . ثم قال السيد رحمه اللَّه : وذكر عن غير أبي عبيد جواب آخر وهو أنّه عليه السّلام أراد أنّ من لم يحسّن صوته بالقرآن ولم يرجّع فيه ، واحتجّ صاحب هذا الجواب بحديث عبد الرحمان بن السائب قال : أتيت سعدا - وقد كفّ بصره - فسلَّمت عليه فقال : من أنت ؟ فأخبرته فقال : مرحبا يا بن أخي بلغني أنّك حسن الصوت بالقرآن ، سمعت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم يقول : « إنّ هذا القرآن نزل بالحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منّا » . فقوله « فابكوا » أو « تباكوا » دليل على أنّ التغني التحسين والترجيع . وروي عن النبي صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أنّه قال : « لا يأذن اللَّه لشيء من أهل الأرض إلَّا لأصوات المؤذّنين والصوت الحسن بالقرآن » . إلى أن قال السيد رحمه اللَّه : وذكر أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري وجها ثالثا في الخبر قال : أراد عليه السّلام من لم يتلذّذ بالقرآن ويستحله ويستعذب تلاوته كاستحلاء أصحاب الطَّرب للغناء والتذاذهم به ؛ وسمّي ذلك تغنّيا من حيث يفعل عنده ما يفعل عند التغنّي بالغناء . وذكر أنّ ذلك نظير قولهم : العمائم تيجان العرب والحبا [1] حيطان العرب والشمس حمامات العرب ، وأنشد بيت النابغة : < شعر > يكاد حمامة تدعوا هديلا مفجّعة على فنن تغنّي < / شعر >
[1] قال في المصباح المنير ، ص 120 ، « حبا » : « حبى الصغير ( يحبى ) ( حبيا ) من باب رمى لغة قليلة و ( احتبى ) الرجل : جمع ظهره وساقيه بثوب أو غيره وقد يحتبي بيديه » . راجع في ذلك أيضا النهاية ، ج 1 ، ص 335 ، « حبا » .