أنّ أهل العرف يقدمون النّهي في محلّ اجتماع الأمر والنهي العامّين من وجه ٍ ، ولذا لا يرتاب أحد في عدم استحباب استماع الأغاني المحزنة للقلب عند تذكَّر مصائبه عليه السلام بالرجوع إلى الحافظة أو استماعها عن الغير أو النظر إلى كتابٍ هي فيه إذا كانت خالية عن ذكرها ، ولا عدم جواز استماع ما يحزن من نغمات الطنابير أو المزامير أو غيرهما من المعازف حال تذكر مصائبه عليه السلام بأحد الوجوه ، ولا حرمة كسر قلب من تذكَّرها بضربٍ أو شتمٍ أو إضرارٍ آخر ، مع أنّه أيضاً يعين على بكائه . وأمّا الرابع فلأنّ انفكاك النّوحة عن الغناء ظاهر جدّاً ، فبأدلَّة تحريم الغناء نقيِّد المطلقات الواردة فيها بالخالية عنه لوجوه ٍ تقتضيه ، إلَّا أنْ يعتقد في معناه العموم على وجه ٍ لا تنفكّ النّياحة عنه ، فبأدلَّة تحريم الغناء من إطلاق أو عموم بغيرها إنْ صلحتْ لذلك . وبهذا يظهر الكلام في الخامس . وأمّا السادس فلأنّ كون قراءة مراثيه عندهم بالعراق على وجه التغنّي غير معلومٍ ، ولعلَّه عليه السلام علم بعدم كونها كذا . ومثله الكلام في صدر رواية أبي هارون . وانصراف الإنشاد والإبكاء إلى ما كان على وجه التغنّي غير ظاهر ، ومعه فالتقييد بغيره بأدلَّة تحريم الغناء متعيّن لما عرفت . هذا . ولا يذهب عليك أنّ استثناء مراثيه عليه السلام لا يوجب الجواز في مراثي الرّسول أو فاطمة أو باقي الأئمّة صلى الله عليه وعليهم ولا في فضائل أحدهم صلوات الله عليهم ولا في نقل محاوراتهم عليهم السلام ، إلَّا أنّه لو تمّ الوجه الرّابع لانسحب في مراثيهم عليهم السلام كافّة ، بل عامّة الموتى والقتلى ما لم يخرج الصوت عن سوق الندبة والتفجّع وكان المقصود النوحة . ولو صحّ الثالث لتمشّى في مراثيهم أجمعين عليهم السلام لكون الحزن بحزنهم والبكاء عليهم عليهم السلام مندوباً إليه في الشريعة ، بل جاز التعلَّق بمثله في إثبات استحباب تحسين الصوت مطلقاً بمدائحهم وفضائلهم عليهم السلام